الكثير منا للأسف لا يفهم هذا الحديث ومعناه وماذا ينبني عليه. البعض يفهمه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن بر الأم أهم وأرقى ثوابا عند الله من بر الأب من بينهم أبناؤنا وأحفادنا يكررون هذا الحديث كدليل لهم على هذا المفهوم الخاطئ. ولا شك أن هذا المفهوم الخاطئ ينتج عنه ما لا يرضي الله عز وجل ورسوله صل الله عليه وسلم. لا أدعي أكثر فهما ممن هم فقهاء وعلماء في علمهم وخبرتهم فأطمع منهم التصحيح في ما أكتب هنا، حيث جل من لا يخطئ. الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك. (متفق عليه). هنا يجب علينا فهم معاني المفردات أي حسن صحابتي: الصحابة هنا تعني الصحبة وليست البر. الإنسان يكابد الحياة ويبحر في غمارها بغير صديق يقف معه في محنته، ويعينه في شدته، ويشاركه همومه، ويشاطره أفراحه، ولولا الصحبة والصداقة لفقدت الحياة قدرا كبيرا من لذتها. الكلمات السابقة تعبير عن القناعة التي تجسدت في قلب أحد الصحابة الكرام الذين كانوا يعيشون مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينةالمنورة، ومن منطلق هذه القناعة قام بتكوين علاقات شخصية وروابط أخوية مع الكثير ممن كانوا حوله، على تفاوت بين تلك الصلات قوة وتماسكا وعمقا. إذا كان الناس يختلفون في صفاتهم وطباعهم، وأخلاقهم وشمائلهم، وأقوالهم وأفعالهم، فمن هو الذي يستحق منهم أوثق الصلات، وأمتن العرى، وأقوى الوشائج، ليطهر المشاعر، ويسمو بالإحساس؟. هذا هو السؤال الكبير الذي ظل يطرق ذهن الصحابي الكريم بإلحاح دون أن يهدأ. وهنا أقبل يحث الخطى نحو الحبيب صلى الله عليه وسلم ليسأله عما يدور في ذهنه من تساؤلات، فمضى إليه ثم وقف أمامه وقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟. لكن الجواب الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على النحو المتوقع، فلقد قال عليه الصلاة والسلام: أمك، نعم هي أحق الناس بالصحبة والمودة، ويستزيد الصحابي النبي عليه الصلاة والسلام ليسأله عن صاحب المرتبة الثانية، فيعود له الجواب كالمرة الأولى: أمك، وبعد الثالثة يشير عليه الصلاة والسلام إلى الأب، ثم الأقرب فالأقرب. فالأقربون أولى بالمعروف وبالصحبة، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟. فهذا معنى الحديث. أما بر الوالدين الأم والأب فبرهما متساو عند الله حيث قال عز وجل: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا... الآية. كما جعل رضاه سبحانه وتعالى من رضاهما الاثنين، وسخطه من سخطهما الاثنين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما. رواه الطبراني. فالبر غير والصحبة غير. والله أعلم.