من أهم الأسئلة الوجودية السرمدية للإنسان؛ كيف يمكنه أن يفرق بين أهل الحق والحقيقة الحقيقية وبين أهل الباطل والزور الدجالين الديماغوجيين «مهيجي العصبيات لغاية التجييش العدواني للناس لتحقيق مكاسب شخصية أنانية» الذين أيضا يرفعون شعارات عقائدية مثالية، فحتى المسيح الدجال لن تكون دعوته محاربة الدين إنما سيرفع شعارات الدعوة الدينية ولهذا كما أخبر النبي سيتبعه المسلمون الخوارج «التكفيريون» ؟، حتى إن الفقيه ابن الجوزي ألف كتابا بعنوان (تلبيس إبليس) من ثلاثة عشر بابا بين فيها كيف يمكن أن تكون دعوات وشعارات وأحوال وأقوال الصلاح والإصلاح والتقوى هي في الحقيقة طعم يستعمله إبليس لإيقاع الناس في حبائله ليستعملهم ضد الحق والحقيقة الحقيقية وهو يدلي أمامهم تصورا طوباويا يوهمهم أنهم يحققونه وسيوصلهم للجنة بينما هو طريق جهنم ليصد بهم الناس عن سبيل الله. ولهذا لما وعظ المسيح أتباعه عن هذا الخطر سألوه وكيف يفرقون بين حامل رسالة الحق والحقيقة الحقيقية وبين الضال المضل وهو حتى لا يعي على نفسه أنه كذلك فقال لهم: «من ثمارهم تعرفونهم»، والنبي عليه الصلاة والسلام قال إن صفة الخوارج؛ أن حتى الصحابة يحقرون عبادتهم بالمقارنة معهم، ووصفهم بأنهم يقولون بقول خير البرية أي القرآن والسنة لكن لا حقيقة لها في داخلهم ولا تتجاوز حناجرهم أي الاقوال والشعارات، فما هي العلامة الفارقة إذن التي لا يمكن أن تكون إلا لأهل وحملة دعوة ورسالة الحق والحقيقة الحقيقية وهي ثمرتهم الفريدة التي لا يمكن أن ينتجها الأدعياء المضلون الذين لبس عليهم شياطين الانس دينهم؟ الثمرة والعلامة الفارقة هي؛ الحكمة الجوهرية العميقة وتتمثل في فكر معرفي عميق ينتجه صاحبه في كتاب متكامل، وتظهر إشراقاته في الانماط العقلية والنفسية والاخلاقية والسلوكية والعملية لصاحبه ومن يتبعه ويقتدي به، ولهذا في القرآن قال الله إن رسله معهم (الكتاب والحكمة) والحكمة لا تخفى ويميزها كل الناس وينجذبون إليها بالفطرة ولا يعرض عنها إلا متعصب لعصبة فيجعله غرور أناه «نفسه» الذي تماهى مع الأنا الكبرى للعصبة يعرف الحق والحقيقة بأنها ما عليه عصبته وما عداها هو باطل وشر بالمطلق، وهذا حال مجرب وليس فلسفة نظرية. والحكمة هي الرأي المحكم في الأمور ويتولد نتيجة مسيرة تمحيص الانسان لكل أجزاء كيانه المعنوي؛ العقل، الذاكرة، القناعات، الانتماءات، النوازع، النفسية، الوعي، واللاواعي. مع اكتساب العلوم والمعارف بشكل محيطي يشمل كتب حتى خصوم قناعاته، مع كثير من التفكير والتدبر والتأمل وفترات عزلة مطولة..