بعد ثلاث سنوات من حرب لا داعي لها، عاد الجنود الأمريكيون من أقصى الأرض يحملون على أكتافهم ثقل هزيمة مذلة وأكثر من عشرين ألف تابوت، وكأن ذلك لم يكن كافيا، ليتفاجأوا بأن كثيرا من الأسرى العائدين قد اعتنقوا الشيوعية وبدأوا في نشر مبادئها في عقر عدوتها اللدودة الولاياتالمتحدةالأمريكية، حتى إن بعض الأسرى رفض العودة إلى وطنه وفضل البقاء في كوريا الشمالية، وقد تم ذلك بعمليات طويلة ومدروسة قام بها الجيش الصيني لتغيير معتقدات الأسرى، والتحكم أو إعادة برمجة طرق تفكيرهم. غسل الدماغ، مصطلح حديث بدأ استخدامه بعد عودة الأسرى الأمريكيين من كوريا الشمالية وقد اعتنقوا الفكر الشيوعي الذي ذهبوا للقضاء عليه، وهو يعني تغيير معتقدات الشخص واتجاهاته بدون رغبته. أو كما عرّفه الدكتور الهولندي ميرلو بقتل العقل، فهو قتل فعلي للإرادة، يقود إلى ما يشبه العبودية الكاملة. تاريخيا عمليات التحكم بالعقل قديمة قدم التاريخ نفسه، فنراها في مخطوطات الفراعنة وأدبيات الخوارج، ثم تبرز في دولة الحشاشين (assassin) الإسماعيلية التي كونت فرق مجندين خاصة للاغتيالات، حيث يذهب الفدائيون لتأدية مهماتهم مع وعد أميرهم بأن الملائكة ستأتي لتحملهم إلى الجنة بعد تنفيذها. الخطوة الأولى لعملية غسل الدماغ هي اختيار الضحية المناسبة، ذلك الشاب ذو الشخصية الضعيفة، والذي عادة ما يكون قليل الثقافة، ويفضل أن يكون قد تعرض حديثا لتغيير جذري في حياته كالطلاق أو الفصل من العمل، أو ربما الانتقال إلى مجتمع جديد منفتح. بعدها يدخل الشخص حياة جديدة باسم جديد، ثم تتناوب دورات الترهيب والترغيب لقتل ثقته بنفسه، وغرس الطاعة العمياء للجماعة. الطاعة العمياء؟ نعم. ففي ولاية كاليفورنيا في ما يسمى حادثة بوابة الجنة انتحر طواعية 39 أمريكيا في حفلة انتحار جماعي دعاهم إليها رئيس الجماعة، استعدادا لحضور المركبة الفضائية التي ستقلهم إلى بوابة الجنة المزعومة. أخيرا، ليس للتطرف دين أو طائفة أو وطن، فكل ما يحتاج إليه، جمجمة فارغة قابلة للحشو.