يصعب على الإنسان العيش بدون دين - أو على الأقل - بدون تشريع يؤمن به ويخلص لأجله .. وحتى حين يعلن أحدهم الكفر والإلحاد تجده يتبنى فرضيات علمية أو بدائل أيدلوجية يحاول من خلالها تفسير الأشياء والأحداث من حوله .. ويعود السبب إلى أن طبيعتنا العقلية والذهنية لا تتوقف عن البحث وطرح الأسئلة عن هويتنا ومصيرنا والهدف الذي خلقنا من أجله . وبصرف النظر عن الديانة التي ننتمي إليها - أو الأيدلوجية التي نتبناها -لا نستطيع منع أنفسنا من التساؤل عمن خلق النجوم وألهم الطيور وعلّم الأسماك وخط مدارات الكواكب .. وهكذا تجد حتى من تنصل من دائرة الدين التقليدي يُفصل لنفسه دينا خاصا به عبارة عن "كوكتيل" مفاهيم أيدلوجية وعلمانية يؤمن بها !! وفي حين لا يكاد عقل بشري يخلو من دين أو تشريع معين، لا يمكن إلزامه بالقوة بتبني نهج لا يقتنع به أو يرتضيه لنفسه (أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) . وهذا المبدأ الجميل - الوارد في الآية الكريمة - يبدو بدهيا ومسلّما به كون طبيعة "الإيمان" تقتضي القناعة والتبني وليس الجبر والإكراه ... وبناء عليه ؛ يمكن القول إن المشكلة لم تظهر يوما بسبب هوية الدين أو خصوصية المعتقد، بل في تبني منهج شيطاني منحرف أو ديني متطرف لدرجة اضطهاد المخالفين (والأسوأ من هذا ؛ حين يتحول إلى نهج سياسي).. وحين نتأمل المجموعات الدينية الخطيرة (أو الغريبة والشاذة) لا نجد لديها نقصاً في الإيمان أو العمل المخلص ولكنها ببساطة انحرفت عن الطريق القويم ووجهت طاقاتها نحو الآخرين .. وتعد جماعة الحشاشين من أقدم وأخطر النماذج التي خلطت بين السياسة والتطرف والعقيدة المنحرفة .. وجماعة الحشاشين هذه أسسها حسن الصباح الذى انشق عن الفاطميين ودعا إلى إمامه نزار بن المستنصر . وقد اتخذت من القتل والاغتيال المنظم منهجا لها (لدرجة دخل اسمها إلى اللغات الأوربية بمعنى الاغتيال السياسي او القتل المأجور Assassin ).. وكان حسن الصباح نفسه شخصا مشوه العقيدة يؤمن بأن قتل الأمراء والوزراء والقادة يضمن له دخول الجنة. وكان يغمس أتباعه في الملذات الجنسية واستعمال المخدرات (والحشيش) حتى يملوا من الدنيا ويسارعوا للجنة السماوية عبر قتل "المارقين".. وفي حين استمرت الجماعات العنيفة والشاذة في التوالد والظهور - في تاريخنا العربي - نجد نفس الظاهرة تكررت في التاريخ الغربي والتراث المسيحي .. فمن فرسان المعبد في العصور الوسطى إلى المجموعات اليمينية المتطرفة في عصرنا الحديث - جميعها - امتلكت تفسيرها الديني والأيديولوجي العنيف ... وهذه الأيام تعد أمريكا (وليس الشرق الأوسط) صاحبة المركز الأول من حيث كثرة المجموعات والطوائف الدينية المنحرفة ... فهي تملك أكثر من 4807مجموعات دينية رسمية معترف بها ومعفاة من الضرائب .. ومن هذه الجماعات 250كنيسة منشقة أو منحرفة، و 165طائفة تعبد الشيطان، و 96مجموعة تعبد جرماً سماوياً، و 32تؤمن بانحدار البشر من مخلوقات فضائية راقية..!! ... كل هذا يعيدنا - مرة أخرى - إلى حقيقة جلية لا ترضي المتطرفين في أي دين وملة .. حقيقة أن المشكلة لم تكن يوما في هوية الدين أو خصوصية المعتقد، بل في تبني نهج منحرف وأسلوب متطرف واختلاف عنيف ضد الآخرين..