في مساء رمضاني قديم مر والدي، رحمه الله ووالدينا ووالديكم، بعم أحمد وكان متكئا على مروة في طرف الحوش ينتظر عابرا يقطع معه ما تبقى من وقت العصرية الرمضانية، وأصر أبي عليه أن يفطر معنا فقبل وقال: سر ساعة وألحقك، وأبلغ عم أحمد من كهلته أنه معزوم، فقالت وهي تعجن: ودعتك ربي، وحين جلس على مائدة طويلة عريضة عليها أصناف يراها لأول مرة ربما تناول لقيمات وبعد صلاة المغرب انتظر سفرة تمتد وراقب الباب فجاءهم سعيد بالشاي، فقال: وين عشاك يا رباعي؟ فرد والدي: «السفرة اللي كانت قدامك فطور عشاء» فصاح بصوت مرتفع: «يا غبني على دغبوسي» فهو يعرف أن زوجته التهمت ما أعدت وكانوا يطلقون عليها «مخنقة الدغابيس». والوجبات الثقيلة تمسك البطن والشاعر المذي الذي تسحر عند أحد الجيران (أرزا) وسرح في اليوم التالي يقصب ركيب الذرة وفي منتصف النهار قرصه الجوع بقوة ولم يعد يحتمل فصدح بقصيدة عذبة منها «أنا أشهد أن الرز تعبان، ما هو كما اللي يخفسونه»، وعندما نتذكر تلك الأيام السخية روحها، الشحيحة كفها، أردد مع الشاعر العربي الكبير عبدالله البردوني «أمسنا كان كريما معدما، وزمان اليوم أغنى وأشحّ، لم يعد شيئا كما نألفه، فعلامَ الحزنُ أو فيما الفرح، يا علي أنظر ألاح المنتهى، لا انتهى المسعى ولا الساعي نجح». اليوم ولله الحمد موائدنا متخمة إلا أن أرواح بعضنا خالية من آدميتها ومحرومة من إنسانيتها، نحن في بطرة وبعض أسلافنا رحلوا ولم يشبعوا من شتفة خبزة شعير، ويسكننا الخوف أن نقع في مآثم وأن نكون إخوة الشياطين، حدثني صديق أن بعض المزارعين في بلدان إفريقية كان يستحي إذا سقط كيس البر من على البعير أن يحمله مرة أخرى يذره في مكانه بطرة ووفرة ولكنها لم تدم علمي وسلامتكم.