«البحر أمامنا.. ولا نقترب منه».. هكذا نعى عدد من الصيادين في قرى الساحل حالهم، على الرغم من أن البحر بالنسبة لهؤلاء لا يمثل نزهة بل حياة ورزقا ومستقبلا، إضافة إلى ماضي الطفولة، والذكريات الحلوة، على شاطئ البحر كان أبناء القرى يرسمون مستقبل آمالهم، يتحدثون بلغة البحر، ويأكلون من فواكهه، ويتسامرون بجانب شواطئه. واليوم تغير الحال، فالرئة التي لا يتصورون أنفسهم بدونها باتوا محرومين منها، على طول قرى الليث من مجيرمة إلى الشواق. والتفاصيل - حسب روايتهم - تعود إلى قبل 8 سنوات تقريبا في قرية الغالة، كانت صدمة للأهالي خاصة من امتهنوا الصيد وكان هو مصدر رزقهم الوحيد، حيث أغلقت شركة الروبيان البحر عن الأهالي وأنشأت مشروعها الكبير، الذي استفادت منه المنطقة ولكن جلب الضرر لأهالي المجيرمة. فالمشكلة - حسب الصيادين - أنهم تحولوا من مضخة للاقتصاد وإعالة أنفسهم وأسرهم إلى أدوات لشفط المساعدات من الجمعيات الخيرية طلبا للمساعدة، وأنهت مستقبل الشباب المعتمدين على حرفة الصيد بعد أن أخذوها عن آبائهم، ولم تقف المأساة على الغالة بل أضحت تطرق أبواب المجيرمة، فالأهالي يسمعون بأخبار عن شركة مماثلة ستنصب قواعدها في المجيرمة. اشتقنا للبحر الصيادون في اشتياق للبحر بعد أن حجب عنهم في عام 1414ه، فأقرب بحر لهم هو بحر المجيرمة شمالا، أو بحر الوسقة جنوبا، فحسن ردة الثعلبي من أصحاب المهنة، إذ ظل طوال تلك السنوات يحلم بعودة البحر إلى حياته. أما العم عبدالله فتحدث كثيرا عن ذكرياته مع الصيد وحياة الكفاف وسد الحاجة، عندما كان ينصب شباكه في البحر ليخرج بثمار البحر ويبيعها على المسافرين في الطريق الدولي، ليسد حاجة أسرته ولكن بعد أن أغلق البحر أمامه لم يعد له من منفذ إلى البحر، وأضاف: «بحر الغالة كان باب الرزق الذي يفتح أبوابه لنا، ومهنة الصيد كانت مهنة تدر لنا الكثير من المال، وكنا في ذلك الوقت نورثها لأبنائنا ليستمر العطاء، ولكن مع الأيام أصبح الصياد من أكثر الناس حاجة للمساعدة، فلا صيد في الغالة». ويقول علي حميد الثعلبي إن غالبية الصيادين من كبار السن ولا يملكون وسيلة نقل ليذهبوا بها الى بحر المجيرمة أو غيره، وكان الاعتماد على شاطئ الغالة، ولكن عندما منعوا من الصيد فيه أصبحوا في قائمة العاطلين عن العمل. وقال: كنا نعاني عندما نذهب إلى البحر، إذ كنا نعتبره بعيدا، والآن ازدادت المعاناة فمن يريد مزاولة الصيد عليه أن يوفر وسيلة نقل ليخرج الى القرى المجاورة، ولكن هذا لا يتم فالصيادون هنا من كبار السن ولا يملكون وسائل نقل، لذلك تركناها وذهبنا نبحث عن الضمان الاجتماعي وصدقات الجمعيات الخيرية. بلا متنفس ويبدو أن حسن علي الثعلبي عرف أن الاستمرار في الصيد يعني استمرار المعاناة، لذلك منع أبناءه من تعلم المهنة، وحثهم على مواصلة دراستهم والبحث عن مصدر رزق بديل، كي لا تتكرر المشكلة، ملمحا إلى أن البحر كان المتنفس الوحيد للعائلات والشباب في القرية وساهمت الشباك التي نصبت على امتداد الشاطئ في حرمانهم من البحر ومن التنزه. وأضاف: «أصبح البحر ممنوعا علينا، فترى الشباب في القرية يتجمعون عند المحطة المطلة على الطريق الدولي، خاصة في أوقات الليل، فهو المكان الوحيد لهم، ونحن لا نطالب بالبحر كله بل نطالب بفتح جزء بسيط منه ليكون المخرج الوحيد والمتنفس للأهالي». وأكد على ذلك كل من الشاب أحمد المهداوي وسعيد الثعلبي، حيث رصدتهما (عكاظ) وهما يجوبان القرية بسيارتهما، وبعد سؤالهما أشارا إلى أن هذه الجولات على القرية هي الطريقة الوحيدة التي يقضون فيها أوقات فراغهم. الهجرة الحل خالد الثعلبي صياد أجبره سياج شركة الروبيان على الرحيل لممارسة مهنته في جدة يقول: «تركت الغالة بعد أن منعتنا الشركة من الوصول إلى البحر ومزاولة الصيد كما كنا نعمل في السابق، ورحلت إلى جدة لأعمل في مهنتي بعيدا عن المضايقات، فلا أجيد أي مهنة أخرى غير الصيد التي ورثتها عن أبي، وعند قدوم شركة الروبيان قبل 16 عاما كانت تعمل بمكتب صغير لبعض المهندسين». ويضيف: كنا نرى منهم كل التعاون فقد كانوا يمدون الصيادين من المواطنين بالمؤن، وذلك قبل عملها على جميع الشواطئ ومنعها الصيادين من الوصول إليها، كما قامت بتوظيف بعض أبناء القرية في الأمن الخاص بالشركة. وبعدما حرمت الصيادين من ممارسة الصيد دون وجه حق، تقدم بعض الصيادين بشكوى ضد الشركة، ومنذ ذلك الحين لمسنا تغيرا كاملا في معاملتها مع الأهالي، حيث توقفت عن مساعدة الصيادين، ورفضت توظيف من كان يرغب في العمل معها، وتعتبر مشكلتنا مع الشركة هي الهم الأكبر الذي نبحث له عن حل، إما بفتح باب الصيد أمامنا وذلك لن يكلف الشركة سوى فتح جزء من الشاطئ، كممر للبحارة وصولا إلى البحر وسيكون تركيزنا على صيد الأسماك، وإما أن توظف الشركة شباب القرية العاطلين عن العمل. أزيلوا العقم الترابي وافتحوا البحر قبل 8 سنوات تقريبا، أنشئ في الغالة عقم ترابي وقناة لتصريف شركة الروبيان، مما فاقم من معاناة السكان، فالقناة تقوم بتصريف فضلات منتجات شركة الروبيان لتصل الروائح الكريهة للقرية وتؤذي سكانها وأما العقم الترابي فقد أنجز كي يقوم بدعم القناة، مما يعرض القرية للخطر من أمطار السيول. وقد حصلت «عكاظ» على تقرير صادر من لجنة مشكلة من البلدية والدفاع المدني والطرق في عام 1429ه، وخرج بعدة توصيات تؤكد على ضرورة وضع حد لإنهاء المشكلة المتمثلة في وجود عقم ترابي من الشمال إلى الجنوب بموازاة البحر مع وجود قناة تصريف تصب على شاطئ المدينة بطول يصل الى 30 كم تقريبا، قامت شركة الروبيان بإحداثه بقصد حماية مشروع الشركة حيث اتضح أن هذه العناصر المحدثة من قبل الشركة تشكل آثارا جانبية ومتلاحقة على مدينة الليث وقرية الغالة وذلك بسبب عدم وضوح حدود الشركة ونصب قناة التصريف الخاصة بالمشروع داخل مدينة الليث وتشكل القناة مشكلة في النمو السكاني والحضري للمدينة، إضافة الى إغلاق الواجهة البحرية المقابلة لقرية الغالة وعدم تمكين المواطنين من الصيد والترفيه. وطالبت اللجنة بإزالة كافة العقوم الترابية وتمكين مياه السيول الى التوجه لمجاريها، وفتح منطقة عامة على شاطئ البحر لاستعمالها ككورنيش عام للأهالي، والسماح بالتوسع العمراني لقرية الغالة غربا وشمالا وتسليم البلدية الواجهة البحرية بعرض 10 كلم، وعمل شبك في حدود مشاريع الشركة وإزالة جميع العقوم الترابية وتعديل نهاية قناة التصريف بحيث تصب ضمن حدود مشروع الشركة ونقلها لليث للأسباب التخطيطية والسلامة الامنية والسياحية والتي تعود بشكل سلبي على المدينة. ويطالب السكان بعد مرور 7 أعوام على قرار اللجنة وتوصياتها بضرورة تطبيق ما أقروه في التقرير، معتبرين أنه الحل للخروج من المشكلة. الشركة: تصاريحنا رسمية ووظفنا الشباب أوضح مصدر في شركة الروبيان أن الشركة تعمل في الموقع منذ 32 عاما، وبتصاريح رسمية وقعتها مع الجهات المختصة، بعد أن رأت أن الموقع غير صالح للتنزه والارتياد. وبين أن الشركة استأجرت الموقع بعد تشكيل لجنة رباعية مكونة من حرس الحدود، ووزارة الشؤون البلدية، ومصلحة الأرصاد وحماية البيئة، ووزارة الزراعة، وصدرت عدة تراخيص لمزاولة المهنة، وبدأت الشركة العمل في توزيع الروبيان داخليا وتصديره خارجيا، حيث تقوم بتوزيع ثلاثة آلاف طن من الروبيان. وأضاف أن وزارة الداخلية أغلقت مركز حرس الحدود في الغالة ونقلته إلى مركز السمار، ووفرت الشركة حراسات أمنية خاصة بها، بموجب لائحة الأمن الصناعي. كما لم تكتف الشركة بذلك، بل ووظفت سعوديين من المنطقة، كما قامت ببناء مصنع لتدريب الفتيات تحت مسمى مركز الأميرة فهدة بنت العاصي بن شريم، وتخصص في تدريب الفتيات على تقشير الروبيان ويمنحهن شهادة تدريبية للعمل في الشركة أو خارجها، وتصرف لهن مكافآت وحقائب دراسية، إضافة إلى توفير حافلة لنقلهن من القرية إلى المركز والعكس. غياب البلدية سبب «صداع الغالة» أرجع عبدالله الثعلبي والذي رافقنا في جولتنا على الغالة، السبب في معاناة القرية كلها، لأنها بلا بلدية خاصة بها، فهي تتبع لقرية مجاورة، وطالب بضرورة اهتمام البلدية بالنظافة وخاصة في إسكان الملك عبدالله فالأيتام لا يرون سيارات النظافة ولا عمالها. ويقول ابراهيم الثعلبي: إن سيارة النظافة التابعة للبلدية لا تمر على القرية إلا في أوقات متباعدة مما كدس النفايات في مختلف الانحاء وأدى لانبعاث روائح كريهة بالقرية لتعفن النفايات التي تظل عدة أيام دون إزالة. واشار خالد عريمط إلى حاجة الاهالي للمياه التي تنقطع عن القرية ثلاثة أيام في الاسبوع مما يدفع الأسر الى جلب الماء بطريقة بدائية عن طريق الجوالين لاستخدامها للاستحمام والتنظيف. ويتساءل حمدان الثعلبي عن سبب غياب خدمة الهاتف الثابت عن القرية فيما تنعم بها قرى اخرى ابعد من الغالة، مطالبا شركات الاتصالات بإيصال الخدمة للقرية المعزولة عن محيطها الخارجي. من جانبه، أكد مدير إسكان الملك عبدالله بالغالة عساف المطيري، أنه تمت مخاطبة بلدية الليث اكثر من ست مرات للاهتمام بنظافة القرية ورصف شوارعها وردم الحفر وشفط مياه الصرف الصحي دور ادنى تجاوب منها.