لا يتوقع أحد أن تكون «مجيرمة» التي لا تبعد عن جدة أكثر من 130 كم، وتعد أول مراكز الليث المجاورة للعروس، تعيش في «الظل» بعيدا عن التنمية. لكن اللافت للنظر أن هذا المركز الذي يقع على بعد 7 كم من الطريق العابر إلى الليث، يفد إليه سنويا بعض الأغنياء سواء من داخل المملكة أو من خارجها، لأنه يعد المنتجع الأول للقنص في المنطقة، ومع ذلك فهو بعيد عن قلب الخدمات، وكأنه لا يزوره أحد، ولا يراه أحد، والأهالي الذين يحظون بشرف ضيافة الأغنياء للأسف لا يظفرون لا بقنطار ولا دينار. هم على مقربة من الأغنياء، ومع ذلك يد العفاف تأبى أن تمتد، رغم أنهم وفق مقاييس الحياة الكريمة في المملكة يعدون من المحتاجين، في ظل شح الوظائف من ناحية عدا صيد البحر، فيما صيد البر من الصقور، لا يظفرون بكامل غلته، لأن السماسرة يسيطرون على النصيب الوافر، والقليل يصل لمحظوظ منهم. هناك في قلب الطريق، تقع مجيرمة، كنت أظن أن قرب المسافة بينها والعروس، سيمكنها من أن تحظى ببعض الخدمات، لكن أن تبقى مركزا اسما بلا مسمى، فالأمر يدعو للاستغراب، وأن تبقى أرضا تعقد فيها صفقات بمئات الآلاف من الريالات، وأهلها محتاجين فالأمر يدعو للدهشة. ألا يكفي أن يتحول هذا المركز إلى منتجع سياحي، طالما تتوفر فيه كل المقومات، وتفد إليه الطيور «الصقور» بمحض إرادتها لترتمي في أحضان الصيادين؟ ألا يكفي أن تنتشل يد الاهتمام هذا المركز، ليتحول إلى خلية نحل سواء طيلة شهري القنص أو الشهور الأخرى لمحبي الطيور، ليروا كيفية الصيد، وتعتبر مزارا للقاصي والداني. سألت أهل المركز، تلك الأسئلة التي تدور في ذهني، وأنا أرى صحراء جرداء كما يقولون لا زرع فيها ولا ماء. حتى الماء الذي يجاورونه ممثلا في محطة الشعيبة، يمر مرور الكرام. سؤال بدهي وإن كنت أرى التحلية على مقربة من هؤلاء الساكنين في قلب طريق الليث، والبعيدين عن قلب أي مسؤول في المحافظة، فأقروا أنهم يشترون المياه ويصرفون عليها الغالي والنفيس لأنها مصدر الحياة، فرغم حاجتهم لكل ريال لكنهم يفرطون فيه من أجل الماء، والتي ينفقون عليها الكثير. هل شكوتم لأحد؟ قالوا: نعم، وأرهقنا في الشكاوى، ولم يسمع لنا من مسؤولي المياه أحد، ولم يلتفت لنا أحد، ولم يحل مشكلتنا أحد. وأضافوا: نعيش بلا إنارة أو حتى صحة، لكن المياه هاجس لأنها على مقربة منا. واصلت الأسئلة، وقلت لهم ألم يشكل جوار العروس جدة، فائدة لكم، لتحظوا بالخدمات؟ فذكروني أن مركزهم قريب من جدة، لكنه يتبع لليث ويقع في أطراف المحافظة، لذا يبدو أن صوتهم لا يصل إلى الليث أو يحجبه الطريق أو القرى المجاورة. وعلمت أن قصة المجيرمة قديمة وبحثهم عن الخدمات تجاوز السنين، فالمطالبات لم تجد نفعا، والمكاتبات للجهات المعنية في الليث ظلت حبيسة الأدراج، فالمجيرمة بالنسبة لقرى الليث والتي مررنا عليها واحدة تلو الأخرى، هي الأكبر معاناة والأكثر نقصا. السكان لم ييأسوا حتى بعد أن طال انتظارهم، حيث فتحت لهم السياحة أملا جديدا، فكونها قبلة محبي الصقور وهواة «القنص»، حيث يفد إليها الكثير من السياح الباحثين عن متعة الصيد سواء الطيور أو الأسماك، فهي ممر للطيور، ففيها أربعة مواسم تجلب الناس من أقطار العالم العربي والخليج. اتركوا لنا السياحة هكذا اقترح محمد بخيت الثعلبي، الذي يستثمر في قطاع السياحة، وتحديدا في رحلات الصيد، وبيع مستلزمات «القنص»، بعد أن لمس الإقبال الكبير على المنطقة من قبل السياح وممارسي هواية الصيد، ووجد أنه من الممكن أن تتجاوز المجيرمة الإهمال بالعناية بالسياحة. يقول محمد: رفعت مع مجموعة من الأهالي إلى هيئة السياحة بضرورة الاهتمام بالمنطقة وإقامة المشاريع السياحة والتي تساهم في زيادة إقبال السياح، وأبدت السياحة اهتماما بالغا وننتظر النتائج، وأصبحنا نرى أن الاهتمام السياحي هو المفتاح السحري لحل مشاكلنا التي طالت ولم نجد لها نهاية، فبات من الضروري بناء ناد لهواة الطيور في قريتنا، ومستشفى أيضا، والمساحات موجودة ولكن ننتظر المستثمرين في هذا المجال. أما فواز الثعلبي شاب في مقتبل العمر من أبناء المجيرمة، ويعمل معلما بها منذ 13 عاما، بسبب نقص الخدمات فاضطر لبناء منزل في مدينة جدة ليجد فيه كل الخدمات التي افتقدها في قريته، متجاوزا معاناة السفر اليومية من قريته إلى جدة، حيث تزيد المسافة على ال 100 كلم. يقول فواز: المجيرمة مسقط رأسي وفيها منازلنا ولكن نقص الخدمات الأساسية أخرجت الكثير من السكان، فأنا واحد من أولئك الذين اضطروا لبناء مسكن في جدة، إضافة إلى منزلي في المجيرمة، وأول شيء يدعوك للرحيل من المجيرمة هي الصحة، فلا مركز صحي وأقرب مركز صحي لنا في الغالة، ولا يؤدي الغرض، وكل الذي قد يمنحك إياه مسكنات فقط، فكثيرا ما قمت ليلا لأنقل طفلي إلى جدة للبحث عن علاج مناسب. وبرغم الطلبات الكثيرة التي رفعت من قبل الأهالي إلا أن الوضع بقي كما هو عليه. وأضاف: قبل 10 سنوات استلمت الصحة أرضا تبرع بها الأهالي لبناء مركز يضمد جراحهم الطويلة، ومن تلك السنين وإلى الآن لم ير السكان المبنى، ولكن قبل أشهر من الآن بدأ عمال البناء في حفر أساسات المركز ولكن يظل الخوف يسيطر على الأهالي فالبناء وحده لا يكفي، فالكل متخوف من توقف المشروع وعدم اكتماله، فهو لن يقدم لهم الكثير سوى طبيب عام وممرضة كما هو الحال في قرى الليث الأخرى، إضافة لمسكنات للمرض ولكن رغم ذلك هم بأشد الحاجة إليه، فقد ملوا الخروج من القرية بحثا عن مركز يسكن آلامهم، ويطالبون الصحة بسرعة إنجازه فقد طال صبرهم. ويضيف منور مبارك الثعلبي: لن تجد قطاعا قدم خدمة جيدة في مجيرمة، فكل الخدمات في عداد الغائبة، فلا خدمات بلدية ولا صحة ولا مياه، ولكن قد تكون الخدمات البلدية هي أكثر الخدمات نقصا في مجيرمة، فلا سفلتة ولا إنارة، وكل الذي عملت عليه البلدية هي سفلتة طريق وحيد في مدخل القرية وتم ذلك بعد معاناة طويلة، لنطالب الآن باستكمال السفلتة عند المنازل، وهو الأمر الذي يعده السكان من المستحيلات، ولو تمت فستساهم في إدخال الخدمات الأخرى، حيث تعتبر السفلتة عائقا أمام الكثير من الدوائر الخدمية التي تمنعها السفلتة من إدخال خدماتها وتسهل عليهم تحركهم والوصول للجميع دون عناء، كما أن السفلتة ستدفع الكهرباء إلى إنارة الطرق المعبدة، ولكن يبدو أن الأمر سيطول كثيرا. الفيصل يمنع إغلاق الكورنيش لحين انتهاء التحقيقات أعاد صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكةالمكرمة، الأنفاس لأهالي مجيرمة، بعد أوامره بإيقاف إزالة الكورنيش إلى حين انتهاء لجنة التحقيقات من أعمالها. وكانت وزارة الزراعة منحت تصريحا لإحدى شركات الروبيان للعمل على شاطئ المجيرمة، مما اعتبره الأهالي خطوة لحجب الشاطئ عنهم، ومهددا لمصدر رزقهم، حيث إنهم يعتمدون على البحر الذي يعد مصدر رزقهم الوحيد، إضافة إلى أنهم يرتبطون به بقصة عشق طويلة، وشاطئه متنفسهم الوحيد. وأوضح مبروك بن عارف الثعلبي شيخ قبيلة الثعالبة في قرية المجيرمة، أنه نقل لسمو أمير المنطقة شكوى الأهالي وتضررهم من المشروع المرتقب على البحر الذي يعتبر مصدر رزق لهم ولأبنائهم من خلال الصيد، ومتنفسا لهم في نفس الوقت، مؤكدا تجاوب وتفاعل سموه مع مطالبهم. وأضاف: إن المأساة الحقيقية للسكان هي لو أن قرارا صدر بخصوص إغلاق البحر عن السكان، فمجيرمة ليست للسكان فقط، بل للمتنزهين من شتى البقاع سواء من داخل المملكة أو حتى من دول الخليج، فهي مقر لهواة الصيد (الأسماك، الطيور)، ولا نعتقد أن خطوة مثل هذه ستخدم المنطقة، إذ لا بد من متنفس للبحر. وأكد الناطق الرسمي لإمارة منطقة مكةالمكرمة سلطان الدوسري، أن سمو الأمير خالد الفيصل طلب كافة المعلومات من الجهات المعنية (الزراعة والبلدية والمحافظة)، لكي تكون المعلومات واضحة أمام سموه. وقال الدوسري إنه بناء على شكوى المواطنين وجه سمو أمير منطقة مكةالمكرمة بالبحث عن كافة المعلومات عن إقامة هذا المشروع، وبالفعل طلبناها من كافة الأطراف ذات العلاقة، ومتى ما اكتملت الصورة والمعلومات أمام سموه سيصدر فيها ما يراه محققا للمصلحة العامة. وأضاف أن سمو الأمير سوف يقف مع المواطن ضد أي مشروع فيه ضرر عليه، والدليل إيقافه لمصانع الحديد التي تؤثر على صحة الناس. تجاور الشعيبة وتحرم من الشرب تعد المجيرمة أقرب قرية لمحطة تحلية الشعيبة، حيث تبعد عنها 30 كلم، ولكن لم يخدم ذلك القرب القرية، بل أضرها، فمياه الشعيبة تضخ بعيدا عن أنابيب المجيرمة، وكما يقول السكان «شدة القرب حجاب»، فالمعاناة الأخرى التي لا تقل عن غيرها في المجيرمة هي المياه، ورغم محدودية دخل السكان الذين عادة ما يمتهنون الصيد، أو يعتمد غالبيتهم على الضمان، إلا أنهم مجبرون على دفع ما لا يقل عن 700 ريال شهريا لتغذية خزاناتهم بالمياه، وفي مقياس دخل الفرد في القرية يعتبر المبلغ كبيرا عليهم ومرهقا للكثير منهم، ويطالبون منذ فترة من الزمن بوضع حد لتلك المعاناة. ويقول مسفر أحمد الثعلبي: المياه جزء من المشكلة في مجيرمة، فقربنا للشعيبة يدفعنا للمطالبة دوما بضخ المياه عبر الشبكة بدلا من الاستعانة بالوايتات، التي أرهقت السكان، وغالبيتهم من الطبقة المحتاجة، ويضيف: «لقد تسببت الخدمات ونقصها في هجرة الكثير من السكان، فالمنازل خالية طوال العام سوى في الإجازات، حيث يحن السكان لمسقط رأسهم، فكل واحد منا الآن يفكر في البحث عن منزل في جدة ليجد فيه كل الخدمات الأساسية، بدلا من أن يبقى هنا يبحث عن خدمات تتوفر في كل مكان». نقل النفايات شرط لمن يريد النظافة للنفايات قصة في المجيرمة، تؤكد أن الخدمات البلدية هي الخاسر الأول في سباق الخدمات، حيث خصصت البلدية 3 مواقع للنفايات يجمع فيها السكان نفاياتهم ليقوم المتعهد بإزالتها كل ثلاثة أيام، مما يدفع الأهالي لحمل نفاياتهم من المنازل يوميا ورميها في أحد المواقع الثلاثة. ويقول فواز الثعلبي: كثيرا ما طالبنا بمساواتنا بقرى الليث، حيث من الواجب على البلدية توفير حاوية أمام كل منزل لرمي المخلفات، وتوفير عمال بلدية يقومون بتجميع النفايات من أمام المنازل، فليس كل منزل قادر على نقل نفاياته إلى المواقع الثلاثة، فهناك منازل يسكنها أرامل، ومن العائلات من لا تملك سيارة تساعدهم على إنجاز تلك المهمة.