فيما يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال في النهي عن الانسياق وراء الغضب: ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب. وكانت العرب تعظم الحلم، والحلم ليس إلا القدرة على ضبط النفس وكظم الغيظ. وربما لذلك سودت تميم الأحنف بن قيس، فقد كان على قدر عال من الحلم، يجعله لا ينفعل ولا يفلت منه زمام التحكم في تصرفاته، ويروى عنه قوله: "ما عاداني أحد قط إلا أخذت في أمره ثلاث خصال: إن كان أعلى مني عرفت له قدره، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان نظيري تفضلت عليه" . بمثل هذه الأخلاق ساد الأحنف قومه، وبمثلها ألبس لباس العظمة، فالفرق بين العظيم وغيره، أن العظيم يملك زمام انفعالاته، فيوجهها ولا توجهه، يعرف متى يغضب ومتى يحلم، يضبط نفسه فلا يترك السفهاء يستفزونه، ويكظم غيظه متى طرأ ما يغيظ، ويعرض عن الجاهلين، ويترفع عن مجاراة الحمقى، مبرهنا على شرف نفسه وعلو همته. لهذا وجدتني بلا تردد أصف محمد بن نايف بالعظيم حين كنت أشاهد الحوار الذي دار بين سموه وأحد المواطنين المفجوعين في أهلهم، على أثر وقوع حادثة التفجير البشعة في أحد مساجد القديح خلال صلاة الجمعة الماضية، وذلك أثناء زيارة سموه للتعزية في ذلك المصاب الجلل. كان المواطن منفعلا يتكلم من قلب مكتوٍ بالحرقة لفقد الأحبة، فأدى به الانفعال إلى أن يقول ما لا يجب أن يقال من كلام غير صائب بعيد عن الحقيقة، فصدمة الكارثة التي يعيشها صورت له أن ما وقع في القديح من جريمة كان بسبب تقصير من الدولة. مثل هذا الاتهام كان له أن يثير غضب وزير الداخلية المسؤول الأول عن أمن الدولة، وقد سبق أن رأينا وزراء آخرين يجيشون غيظا وغضبا من مجرد ملاحظات بسيطة أو حتى لمجرد إلحاح مواطن في الطلب، لكن محمد بن نايف، كانت ردة فعله مختلفة، تليق بمن هو في مكانته، فحق لنا أن نصفه بالعظيم!! إني لا أملك هنا سوى أن أسجل إعجابي بهذه القدرة البالغة في ضبط النفس التي يتمتع بها سمو الأمير، فرغم التجاوز المفرط في حديث المواطن، وما كان فيه من استفزاز وإثارة للغضب، إلا أن الأمير ظل يصغي بهدوء، وبقيت ملامحه ساكنة لا يظهر عليه أي أثر للتشنج أو الانفعال، ومضى يبين لمحاوره ولغيره من المواطنين بعبارة حازمة ملؤها الثقة، أن الدولة قادرة على ضبط الأمن ولن تترك للمجرمين فرصة للهرب لتحقيق مآربهم. كان موقف صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف تتجسد فيه الحكمة والعظمة مما يستحق أن يكون درسا يلقن لكثير من النزقين الذين يتركون انفعالاتهم في مهب عبث السفهاء والجاهلين.