في حفلة غنائية استمتعنا فيها كثيرا إذ عزفت فيها أجمل الألحان الكلاسيكية واستعدنا كما كبيرا من الأغنيات التي شكلت وجدان المجتمع في فترات زمنية سابقة حين كان أثر الفن حاضرا في تهذيب النفس وحملها على الارتقاء بذائقتها السمعية والطربية أيضا وما يحدث الآن في عالم الفن الغنائي لا تستطيع أن تقف في مواجهته بالرفض، إذ أن كل جيل يبني ذائقة جديدة وفق ما يستهلكه من فن. وأعتقد أننا ساهمنا بصورة أو أخرى في وأد الفن الجميل من خلال قولبة المجتمع في قالب وحيد وإقصاء الموسيقى من حياتنا. وقد ظهر ذلك جليا بإلغاء الفرقة الموسيقية في التلفاز وفي جمعيات الثقافة والفنون وتغيب (مسرح التلفزيون) الذي كان يقدم المواهب الغنائية والموسيقية ومنع الإذاعات المدرسية من بث الموسيقى وكانت كل هذه الأنشطة داعمة لظهور المواهب في مجالات الفن وتغذية الساحة الفنية بالملحنين والمطربين وكتاب الكلمة ومع هذا الجدب الفني والمحاصرة لكل المواهب بعدم الظهور لم يمتنع الهواة عن ممارسة هواياتهم إلا أن كل تلك المحاصرات نتج عنها انتقال الشاب إلى محيط آخر لتلقي الفن سواء كان ذلك المحيط استهلاك الفن الغربي أو استهلاك فن بيئات عربية متأثرة كثيرا بالفن الغربي، وهو ما أحدث تغريبا للفن في العموم سواء على الموسيقى أو على الأداء وليس هنا الاعتراض بل الاعتراض في مواصلة سياسة محاصرة الموسيقى وما تنتجه من فن يهذب النفس الإنسانية. وإذا قلت تهذب النفس ستجد هناك من يسخر من المفردة بالرغم من كونها صدرت عن دراسة علمية تؤكد حدوث التهذيب داخل النفس عند الاستماع للموسيقى، وإذ أشرت أيضا أن دراسة علمية حديثة صدرت مؤخرا تذهب إلى أن تعلم العزف على الآلات الموسيقية قبل السابعة له تأثير كبير على تطور المخ. إذ تقدم (الدراسة) دليلا قويا على أن السنوات بين السادسة والثامنة من العمر تعد «فترة حساسة» عندما يتفاعل التدريب على عزف الموسيقى مع التطور الطبيعي للمخ، مما ينجم عنه تغييرات طويلة الأمد في القدرات الحركية وبنية المخ. وفي كل حين تصدر دراسة تؤكد على أهمية الموسيقى في حياتنا، ولازالت الأمنيات أن تعود حياتنا إلى طبيعتها على الأقل في جانب الاستمتاع بالغناء الأصيل ولن تعود ما لم يتواجد الدعم الحقيقي للاهتمام بالموسيقى وبكل الموهوبين في هذا المجال للبقاء على ثروتنا الموسيقية والغنائية كأحد أهم الركائز الفنية في العالم العربي. ومع مجيء الدكتور سلطان البازعي لرئاسة جمعيات الثقافة والفنون نؤمل أن يكون فاتحة لأن يعيد للجمعيات دورها الغائب في احتضان المواهب الموسيقية والطربية، فلو تضافرت جهود الجمعيات في هذا المجال ربما نستعيد أقل القليل مما فرطنا فيه في هذا الجانب.