هناك كثير من المثقفين الذين يدعون الى نشر التسامح بين الثقافات المختلفة في العالم، ويؤكدون أن التسامح وقبول التعددية والتنوع والاختلاف في الرأي، هي من أبرز المعايير التي تقاس بها حضارة المجتمعات. لكنهم مع ذلك، متى حان وقت التطبيق، وجدتهم يتراجعون عما قالوه ويأخذون في سرد حجج يرونها مبررة عدم صلاحية القول بالتسامح في كل الأحوال ! يقول طارق حجي أحد المثقفين المصريين: «التسامح يجب أن يسود مع المتسامحين، أما التسامح مع من لا تقوم ذهنيتهم وثقافتهم وأفكارهم على التسامح الديني والثقافي مع الآخر، فإنه يكون جريمة في حق الذات، وجريمة في حق التمدن، وجريمة في حق التحضر، وجريمة في حق الإنسانية، بل إن التسامح مع غير المتسامحين (دينيا وثقافيا) هو من قبيل الانتحار أو تدمير الذات». هذه الدعوة إلى رفض التسامح مع المتصلبين الذين لا يؤمنون بالتسامح، تهبط بالتسامح من كونه مبدأ أخلاقيا يلتزم به الانسان المتحضر، غير قابل للتبدل والتغير مثله مثل بقية المبادئ الأخلاقية التي لا تقبل التغير ولا تخضع لمتطلبات الموقف، لتنزل بالتسامح إلى مستوى القواعد السلوكية العامة، التي من خصائصها أن تكون خاضعة للتغير والتبدل وفق مقتضيات الحاجة وطبقا لما تتطلبه ردة الفعل تجاه ما يقوم به الطرف الآخر! إذا كنا سنقابل المتصلبين في أفكارهم الذين لا يؤمنون بالتسامح، بفكر متصلب يماثل فكرهم، ونغير مبادئنا التي ننادي بها لتماثل مبادئهم، ما الفرق إذن بيننا وبينهم ؟ وما النتيجة التي نتوقع أن نجنيها عند مقابلتنا تصلبهم بتصلب مثله ؟ عندما يكون رفض التسامح موقفا قائما لدى كلا الطرفين، تكون النتيجة المتوقعة، تصاعد الكراهية وتنامي العداوة بينهما، بسبب اصرار كل منهما على رفض الاخر. مقابلة الكراهية بكراهية، والعداوة بعداوة، منهج سلوكي يخالف النهج الرباني في كرم التعامل والحض على الصفح والتغاضي والتسامي فوق مقابلة الاساءة بمثلها، (فمن عفا وأصلح فأجره على الله). مقابلة المتصلبين في أفكارهم بتسامح، فيه اتباع للهدي الرحماني {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}. وهو منهج في السلوك لا يقدر عليه سوى الكبار الذين يرتقون فوق ان يكون همهم الانتقام والأخذ بالثأر، وقبل ذلك هو الطريق الأمثل إلى تحقيق السلام والوئام بين المختلفين.