مضى وقت طويل والعالم العربي مرتهن في أمور كثيرة لرؤية ومشيئة الغير الذين لا يهمهم مصلحته بقدر ما تهمهم مصالحهم حتى لو كان فيها خرابة، رأينا هذا وعانينا منه وليس آخر ذلك ما حدث في أكثر من دولة عربية أصبحت تعيش الفوضى الحقيقية والضياع، وبدا أن المسلسل كان مستمرا ليشمل ما بعدها. المحطة المصرية كانت المحك الأهم وبداية الوقوف ضد مؤلف ومخرج المسلسل عندما أعلنت المملكة بشكل واضح وقوي وعملي وقوفها مع انتشال مصر من مصير الضياع الذي وضعت تفاصيله أمريكا. وضعت المملكة ثقلها من أجل هذا الهدف بتحرك سياسي كثيف لدى كل الدول الكبرى وقلبت الموازين من الوقوف ضد مصر إلى الوقوف معها ولم تعبأ بامتعاض أمريكا وعدم رضاها عن ذلك، وكانت المرة الأولى منذ زمن طويل تسمع فيها أمريكا كلمة «لا» من العالم العربي. توترت العلاقة بيننا لكن في النهاية جاء الرئيس الأمريكي إلى الرياض لإنعاش العلاقة وإعادتها إلى طبيعتها. خلال تلك الفترة وبعدها بدأ التحرك السعودي لإنعاش الروح في العلاقات العربية بدءا بإعادة التعاون الحقيقي لدول الخليج وإزالة التوتر بين بعضها البعض وبين بقية الدول العربية ومصر على وجه الخصوص، وكذلك انطلقت المملكة في اتجاهات كثيرة لبناء علاقات أقوى وعقد اتفاقيات مهمة مع دول لا تدور في الفلك الأمريكي أو الاتحاد الأوروبي معلنة أن مصلحتها الخاصة وسيادة قرارها لا دخل لأحد فيه. أحداث ومواقف كثيرة متتالية أثبتت أننا أمام مرحلة جديدة في السياسة السعودية تليق بمكانتها وإمكاناتها واستقلالية قراراتها، تجلت بوضوح منذ تولي الملك سلمان مقاليد الحكم وأصبحت الرياض تستقبل بشكل شبه يومي زعماء وقادة العالم لترتيب أوراق مهمة وإعادة صياغة مفاهيم العلاقات. لكن مفاجأة المملكة الكبرى تمثلت في قرار عاصفة الحزم الذي كان قرارا سعوديا عربيا خالصا لم يعلم عنه حليف أجنبي أو يستشر فيه أو تطلب مساعدته. التكتيك السياسي الذي قامت به المملكة أدهش العالم، ففي الوقت الذي بدأت فيه العاصفة من الرياض كان سفيرنا في واشنطن يعلن عنها من جوار البيت الأبيض والكونجرس دون أن يكونا طرفا فيها. خلال ساعات معدودة نجحت المملكة في تشكيل أكبر حشد سياسي عالمي مؤيد لقرارها، لتتحدث عن ذلك كبريات وسائل الإعلام وأهمها. السياسة السعودية تعيش مرحلة جديدة مختلفة تضع المملكة في بؤرة الضوء الساطع ومصدر القرار المهم وتحريك الملفات الحساسة. إنها نقطة الانطلاق للسعودية الجديدة التي تضع نفسها في المكانة المناسبة لها.