من خلال ملاحظتي لوسائل التواصل الاجتماعي والأدوات التقنية المتطورة كالفيسبوك والتويتر والواتساب واليوتيوب وغيرها خرجت بتصور عام فيما يتعلق بموضوع «الأخلاق».. وتحديدا: أخلاق الاختلاف. وينبغي الإشارة مقدما إلى أن أغلب المتعاطين لتلك الوسائل التقنية هم من جيل الشباب وهي شريحة كبيرة لكنها لا تعبر عن المجتمع ككل.. فكثير من آبائنا وأمهاتنا والأكبر سنا منا ليس لهم في عالم التقنية ناقة ولا جمل. ولذا فإذا قلنا إن الأخلاق قد فسدت فهي مقتصرة فقط على الشريحة المدروسة. أبرز خصيصة في وسائل التواصل التقني هي الاتصال المباشر والحي بين المرسل والمستقبل؛ أي بين باث الخبر أو الفكر ومتلقيه. ولو أذعت خبرا في إحدى هذه الوسائل التقنية فسأجد نفسي أمام سيل عارم من التعليقات. والمقال سيركز هنا على التعليقات.. أي على خطاب المتلقي لا المرسل. لا يخفى على المتابع أن «خطاب المتلقي» يصبح عاريا من الأخلاق إذا كان المرسل مختلفا في طرحه أو فكره. وهنا نجد ما يؤسف له.. عبارات من الشتم والتهديد والتحريض والويل والثبور للمختلف. وقد يصل الأمر إلى التهديد بالقتل أو إبداء الرغبة فيه. من أين جاءت هذه الأخلاق العنيفة الحدية؟ لم تكن أخلاق آبائنا وأمهاتنا بهذه الصورة؟ ما هو مصدر هذا التلوث الفكري؟ الجواب الذي لا مفر منه: الآيديولوجيا. أجل، ليس هناك جواب آخر. هناك آيديولوجيا سادت وانتشرت بين الشباب في العقود الأخيرة. وهي آيديولوجيا تسمي نفسها بالصحوة. والمصطلح رنان وخلاب.. ولكنها في الواقع ليست صحوة ولا تعبر عن روح الإسلام. والفكر الصحوي هذا نشر عقيدة غريبة وهي عقيدة الكراهية والإقصاء. وهذه العقيدة تفسر فساد الأخلاق عند معظم الشباب عندما يتعلق الأمر ب «المخالف المختلف». وخطاب الصحوة لم يكتف بنشر عقيدة الكراهية بل أذاع بين الناس كره العلوم والفنون وكل القيم الحضارية الأخرى. فلكي تكون صحويا يجب أن تعتبر الفيزياء والفلسفة وعلم الفلك والرياضيات من العلوم التي لا تنفع. وقل مثل ذلك فيما يتصل بالموسيقى والرسم والنحت. فهي عندهم شيء لا قيمة له ويجب نبذه. وهكذا صار مجتمعا خاليا من تلك العلوم والفنون. ولا غرابة أن يكون هذا حالهم.. فقد كان له سلف في الماضي يحرمون الكيمياء والفلسفة والفنون. أما الأخلاق الذاتية الداخلية فقد ساد بين الشباب فكر شكلاني.. وهو فكر يركز على المظاهر والقشور كاللحية وتقصير الثوب وغيرها.. وهذا الفكر ساهم في إفقار الروح وتجويف العقل. والفكر الشكلاني القشوري في أي مجال كان من أفسد أنواع الفكر. ويكفي أنه يجعل أتباعه مجرد فراغ داخلي رهيب. الأخلاق لا تتجزأ.. ولا يكفي أن تكون «أخلاقيا» مع قومك و«لا أخلاقيا» مع المخالف لك. فالصدق والوفاء والعدل والتسامح وكل القيم الفاضلة تنهار إذا تم التلاعب بها وتوزيعها بشكل غير متساو. بعض رموز الصحوة تراجعوا عن أفكارهم بعدما رأوا خطرها على الشباب وعلى أخلاقهم. لقد شاهدوا بأم أعينهم مدى الفراغ الروحي الذي تركوه في جيل أقام قطيعة حادة بينه وبين الفنون والعلوم والحضارات الأخرى. ولكن.. هل الفكر الصحوي هذا دخيل علينا؟ بالتأكيد لا. فهو متأصل في تراثنا ولذا يجب علينا مراجعة هذا التراث وتحديدا كل ما يتصل فيه بموضوع الاختلاف والتسامح. فالتراث الإسلامي متنوع وغني ولكن تم التركيز فيه على أشد سماته انغلاقا وتعصبا.