فيما يبدو أنه صراع بين توجهين رئيسين يستحوذان على المجتمع السعودي ويوجهان مسارات التدافع والحركة فيه، تداول رواد تويتر السعوديون وسمين عن الصحوة؛ أحدهما بعنوان #السعودية _قبل _الصحوة، والآخر # منتجات _الصحوة.. في دلالة بينة على محورية ما يسمّى بالصحوة في حديث الساعة السعودي، وما يراد له أن يحدث من صراع ومعارك شعواء بين التقليد والتجديد أو الإسلاميين والليبراليين؛ وعلى ما ترمز له -الصحوة- بتجلياتها وتمظهراتها وآثارها على الحياة الاجتماعية والثقافية في السعودية حسب قناعة المغردين في الوسمين! حفل الوسمان بانتقادات صارخة ولاذعة للصحوة والإسلام القشوري والشكلانية، ولمظاهر التشدد والتجسس على الحريات الفردية، وغياب جوهر التدين الحقيقي، وتجذير الرؤية الأحادية وتكريس الكراهية ورفض المختلف، والنظرة التبخيسية التحقيرية للمرأة، مما ارتبط في أذهان المغردين بالصحوة كمحرك فاعل ومؤثر في المنظومة القيمية المجتمعية، الذي قاد بالضرورة إلى تقويض سمات التعددية والتسامح والتلقائية والعفوية في ممارسات الحياة اليومية في مجتمعنا. كما حمّل بعض المغردين الصحوة وزر كل مثلبة ونقيصة وتخلف في المجتمع، مصورين السعودية ما قبل الصحوة كجنة ظليلة ترفل في حلل من التقدم والانفتاح والقيم النهضوية كالتسامح والتعددية والنظرة التقدمية للمرأة، بل هناك من تغنى بمشروع تنويري شامل جاءت الصحوة لتجهضه وتقوّض أركانه عائدة بالمجتمع إلى الوراء! في المقابل -وفي رفض لتلك النظرة التسطيحية القائمة على اقتطاع الصحوة من سياقاتها السياسية والصراعات الدولية الكائنة في مرحلة بزوغ الصحوة واستقوائها بالعامل السياسي ثم تغولها وتسيدها ردحاً طويلاً من الزمن-، قام مغردون آخرون بإطلاق تغريدات لاذعة السخرية متكئين على صور «مختلقة» لمظاهر حضارية من بلدان شتى، متهكمين بالقول هكذا كانت السعودية قبل الصحوة!.. وهذا ما كنا نرفل فيه من منجزات وعلوم وتحديثات وجامعات متقدمة وخلافه حتى جاءت الصحوة لتقضي عليها وتقوضها وتعيدنا إلى «الخلف سِر»! وحقيقة لم يخل وسم #السعودية_قبل_ الصحوة من طرافة وروح سخرية عالية تتحدث عن الحياة الأسطورية الباذخة لفترة ما قبل الصحوة، في محاولة -من خلال التهكم – لموضعة الصحوة وتأثيرها على الحياة في السعودية في مكانها وحجمها الحقيقيين دون مبالغة أو تضخيم، بما هي حقبة كانت لها أسبابها ومحركاتها السياسية ودورها في الصراع العربي والإقليمي من جهة، وفي الصراع الدولي بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، دون إغفال أو تجاهل لما تركته من أثر اجتماعي ثقافي ساهم في تفشي ظاهرة التشدد والحد من تلقائية المجتمع واحتضانه للتحديثات وتقبله لها. اللافت في التغريدات الطريفة بالوسم أنها صادرة من مغردين لا يمكن أن يحسبوا على التيار الإسلامي، مما يدل على وعي مختلف رافض لإقحامه في صراع التيارات ومدرك تماماً لأبعاد الأمور وزوايا الصورة المختلفة، وخطورة الصراع القائم على الإلغاء والنفي على السلم الاجتماعي واللحمة الوطنية والأمن، مما رأينا نتائجه الوخيمة وآثاره في بلدان الثورات العربية. هذا الوعي يرفض إعطاء الصحوة أكبر من حجمها الحقيقي، ويحاول تفصيح الأسئلة فيما يتعلق بوجود مشروع تنويري شامل في فترة ما قبل الصحوة، ساهمت -الصحوة- في تقويضه وهدم أركانه كما يزعم من يحمّلها وزر كل نقيصة! كما يقرأ الصحوة كجزء لا ينفصل عن سياقاتها في سبيل وعي أكثر شمولية، يستطيع معه إدراك وفهم ما يجري حوله من أحداث عاصفة في العالم العربي، ولماذا انحرفت الثورات العربية عن مساراتها. وهي رؤية تمحيصية قائمة على محاولة المقاربة والفهم والفرز النقدي، وهي حتمية لابد من أن تصل لها العقول الواعية المتساءلة نتيجة لاتساع دائرة التواصل وتعدد الروافد المعلوماتية. وعودة إلى الصحوة وأثرها في التعليم ودورها في نشوء ظاهرة التشدد المولدة للتطرف، لابد من طرح أسئلة عن الحياة في السعودية ما قبل الصحوة،.. وهل كانت على هذا القدر المبالغ فيه من الإشراق كما يحاول بعضهم تصويرها؟! فحتى المغردين الذين كانوا يهجون الصحوة أمرَّ الهجاء، لم يستطيعوا تقديم صور فوتوغرافية تتعدى بعض المظاهر الشكلية للحريات الفردية في مجتمع ما قبل الصحوة. وهنا يبدو السؤال عن ماهية المناهج الدينية قبل الصحوة في التعليم مشروعاً،.. وكذلك الفتاوى الصادرة عن الرموز الدينية في ذلك الوقت، وهل كانت أكثر انفتاحاً عن فترة الصحوة؟ ولماذا تتسم مرحلتنا الحالية -رغم انحسار سطوة الفكر الصحوي- برفض المختلف والكراهية أكثر من أي فترة مضت؟! والسؤال الأهم ماذا أعددنا اليوم للخروج من عنق الزجاجة؟ وماذا عن غياب المشروع الاقتصادي والسياسي الشامل الذي ينتظم فيه التعليم -كما كتب الدكتور خالد الدخيل على صفحات جريدة الحياة-،: والموازنة بين دوره في التطوير والتغيير المجتمعي بما يخدم النمو والتقدم،.. مع المحافظة على كيان الدولة وعلى هوية المجتمع والمحافظة على ثوابته الاجتماعية والثقافية والسياسية التي انبثقت منها الدولة كما يقول الدكتور الدخيل.