الإدارة العامة للاتصالات والأنظمة الأمنية تدعم الجاهزية التشغيلية في معرض «واحة الأمن»    تثبيت سعر الفائدة على القروض الأولية في الصين    الذكاء الاصطناعي بكامل طاقته: كيف سيبدو عام 2026 بالنسبة للمؤسسات في المنطقة    تكاليف البناء في السعودية تسجل ارتفاعًا بنسبة 1.0% خلال نوفمبر    الندوة العالمية تُكرّم الطلاب الأيتام المتفوقين في كينيا    زراعة النخاع العظمي الذاتية تسجل نجاحها الثالث    فقيه للرعاية الصحية تطلق برنامج دعم الابتكار في DeveGo 2025    انعقاد المؤتمر الصحفي الحكومي.. اليوم    مدرب نابولي: بلغنا النهائي بجدارة واستحقاق    الأخضر خرج خالي الوفاض    شراكة نوعية لتعزيز الخدمات الصحية والمجتمعية في الباحة    سحب 5.5 ملايين متر مكعب من مياه الأمطار في الشرقية    روضة مهنا بالقصيم.. لوحة ربيعية    خطط «الصحة» على طاولة أمير القصيم    «الشؤون الإسلامية» في عسير تنفذ 30 ألف جولة رقابية    انطلاق تصفيات مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن في جازان    تنوع بيولوجي في محمية الملك سلمان    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. وزير الدفاع يقلد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    في أولى جولات كأس أمم أفريقيا 2025.. مصر تواجه زيمبابوي.. ومالي تصطدم بزامبيا    «الآسيوي» يعتزم إطلاق «دوري الأمم»    بناء القدرات وتبني الابتكار وتعزيز الشفافية.. السعودية تتقدم في مؤشر أداء الأجهزة الإحصائية    أمير نجران يستعرض فرص الاستثمار    بهدف تعزيز بيئة العمل الداخلية.. وزير«الموارد» يدشن «الغرف الإبداعية» بالجهات الحكومية    هيئة «الشورى» تحيل تقارير جامعات لجلسة المجلس    جهود أمين جدة وسرعة الإنجاز لشبكة تصريف الأمطار    أين يبدأ التنمر الوظيفي وأين ينتهي؟    معرض جدة للكتاب 2025 يختتم فعالياته    القراءة.. الصديق الذي لا يخذل    من هن النسويات؟    تصريحات متطرفة بشأن لبنان.. توغل إسرائيلي جديد في الجنوب السوري    تقدم في نزع الألغام ببابنوسة.. تحركات دبلوماسية لوقف النار في السودان    روسيا تشكك في جدوى المبادرات.. زيلينسكي يرفض التنازل عن الأراضي    انطلاق تصفيات مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن بجازان    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. سمو وزير الدفاع يُقلِّد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    الانفصال.. خيار مستحيل جيوسياسيًا في اليمن    اليمن.. صراع النُخب مزّق الوطن    طربيات «موسم الخبر» تبرز فن تركي عبدالعزيز    أنغام تودع عاماً وتستقبل عاماً في «ليلة الحب»    الفن وأصوات النجوم يعيدان وادي صفار للواجهة    ألمانيا: إصدار أكثر من 100 ألف تأشيرة في إطار لم شمل عائلات اللاجئين في 2025    المغرب يهزم جزر القمر بثنائية في افتتاح كأس الأمم الأفريقية    معالي نائب وزير الرياضة يتوّج الأمريكي "تيين" بلقب بطولة الجيل القادم للتنس 2025    دوري يلو 12.. العلا والدرعية يهددان صدارة أبها    المحسن يكتب.. وَهَبهم البطولة والإنتصار .. بأهدافه وتخطيطه المكّار    لغة نصفق لها ولغة نستخدمها    منهج الاحتلال.. استيطان وعنف    الصراع الإسرائيلي الإيراني بين الضربات العسكرية وحسابات الردع    قرارات تطويرية لتكامل المنظومة الدينية بالحرمين    في كل شاب سعودي شيء من محمد بن سلمان    بر الشرقية تستعرض برامجها التنموية بمحافظة العديد    من «بيوت الموت» إلى منصات التوقيع… سعاد عسيري تدشّن روايتها الأولى في معرض جدة للكتاب 2025    مدرسة ابتدائية مصعب بن عمير تحتفي باليوم العالمي للغة العربية    وفد أعضاء مجلس الشورى يطلع على أعمال هيئة تطوير محافظة جدة    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يُنقذ مراجعاً مصاباً بانسداد حاد نسبته "99 %" بالشريان التاجي الأيسر    تشغيل نظام الأرشفة الإلكترونية بمستشفى الأسياح    بيان مديراً لمستشفى الأمير عبدالمحسن    مشلول يتحكم في روبوتات بإشارات الدماغ    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



null
نشر في عكاظ يوم 24 - 04 - 2011

للجواب عن هذا السؤال لا بد من تصور واضح لمفهوم الأيديولوجيا. ولقد رأيت أن وضع التعريفات والتحديدات عرضة للتعديل المستمر، إذ من الممكن أن يكون التحديد مساويا للفكرة أو أكبر منها أو أصغر. فإذا كان أصغر فاتنا ما من شأنه أن يدلنا إلى المعنى التام والكامل، وإذا كان أكبر دخل فيه ما ليس منه مما يثير اللبس والاضطراب، وإذا كان مساويا فلا نضمن أن تظل الفكرة كما هي لا تتغير ولا تتبدل في إطار هذا الجدل الفكري والتاريخي الذي يضع كل يومٍ ، بل كل لحظة، شيئا جديدا يقتضي منا إعادة النظر في كل ما لدينا على ضوء هذا الجديد، ولذا فوجود تعريف دقيق وموضوعي أقرب إلى الوهم منه إلى الواقع. ولذا سأقتصر على وصف ورصد العناصر الأساسية المكونة لبنية الخطاب الأيديولوجي ومقارنتها بخصائص التفكير الفلسفي لكي نتعرف على اللحظات التي يتقاطع فيها الاثنان فيختلفان أو يتفقان، فالفلسفة قد تكون أيديولوجيا أو قد تنطوي على متضمنات أيديولوجية مخبوءة في ثنايا الادعاء المنطقي ولكن النقد المنهجي الفاحص يقدر على كشفها وإبرازها للضوء، كما أن الأيديولوجيا في الغالب تستند إلى أساس فلسفي، بل قد تكون في مبدئها مذهبا فلسفيا تحول مع الزمن إلى منظومة من التعاليم السياسية والعقدية والاجتماعية الشمولية الطاغية مما نتفق على تسميته ب(الأيديولوجيا).
في البداية الأيديولوجيا بطبيعتها مذهب أو عقيدة، أما الفلسفة في أغلب اتجاهاتها واهتماماتها فهي منهج ورؤية، وإذا تذكرنا كيف كان ماركس يصرخ في وجه أتباعه قائلا «أنا لست ماركسيا»، لعرفنا أن هذا التبرؤ يضيء لنا الفرق بين الفلسفة كمنهج ورؤية متحررة والأيديولوجيا كعقيدة شمولية وذات طابع إكراهي. ثم إن الأيديولوجيا مذهب دوغمائي (قطعي) يقوم على اليقين التام والإيمان الأعمى، بينما الفلسفة فكر نقدي حر. والنقطة الثالثة أننا يمكن أن نعتبر الأيديولوجيا جوابا نهائيا ومغلقا، بينما الفلسفة سؤال مفتوح، لا يتوقف لحظة إلا ليواصل السير من جديد. لذا فالأيديولوجيا يقين، والفلسفة شك، وفي هذا الصدد يقول الفيلسوف الوجودي الفرنسي موريس ميرلوبونتي في كتابه (تقريظ الفلسفة) «لقد كان برغسون يقلِق بينما البرغسونية تطمئن، كان برغسون هجوميا أما البرغسونية فتدافع، كان برغسون احتكاكا بالأشياء، بينما البرغسونية مجموعة آراء مأخوذة». وعبارته هذه تذكرنا بموقف ماركس الآنف، فالفيلسوف قد يبتلى بأتباعٍ بلداء عاجزين عن التفكير النقدي الحر والمستغني عن أستاذ أو وصي يهديهم إلى جادة الصواب. فالعاقل يستنير بعقله لا بعقل غيره إلا فيما ينوء به جهد الفرد ويحتاج إلى خبرات الكل.
يمكن استجلاء فرق آخر إذا عرفنا أن الأيديولوجيا بطبيعتها فكر تبشيري دعوي تحريضي، على عكس الفلسفة القائمة على الحوار والجدل الحر والنقاش، بل إنها تأنف من التبشير ب «الفكرة» لعلمها بعدم رسوخ وثبات الحقائق والأفكار. وهذا الفرق يحيلنا إلى التوكيد على أن الأيديويولوجيا في عمقها وربما في سطحها فكر إقصائي إبعادي، لأن انغلاقها على ذاتها وطبيعتها التبشيرية الدعوية وأغراضها في السيطرة الاجتماعية والسياسية تقتضي ذلك، بل إنها تضطر إلى اختلاق الأعداء من أجل تحصين الذات وتقويتها وحشد الأتباع وتعبئتهم. إذن الأيديولوجيا فكر مغلق تماما، والفلسفة فكر مفتوح. والسبب هي هذا عائد إلى أن الأيديولوجيا فكر مكتمل، مكتف بذاته، لا يحتاج إلى أي شيء خارجه، ولذا فالتجديد فيه جريمة، واستعارة آراء أو أفكار أو خبرات من الآخر يعد تهديدا وعدوانا، على عكس الفلسفة التي ذكرنا أنها حوار مفتوح باستمرار، وتعترف بالنقصان بل وتفتخر به.
بقيت هذه النقطة الأخيرة والأهم والتي تميز الأيديولوجيا عن الفلسفة وعن غيرها من الأفكار، وهي عدم الفصل بين الذات والموضوع: إن الأيديولوجيين يختفون تماما في موضوعاتهم (قضاياهم) ويتجاهلون البعد التاريخي والإنساني لها ويتعاملون معها كمطلقٍ أو كحقيقة عليا يجب التضحية في سبيلها؛ ومن أجل هذا فإن عبارات التضحية والاستشهاد والنضال والفداء تكثر في الخطاب الأيديولوجي، بل إنها تعتبر مفاتيح هامة جدا لفهم الخطاب وتفكيكه وكشف زيفه وادعاءاته المطلقة. أما الخطاب الفلسفي فلا يعرف شيئا من هذا؛ لأن الفلسفة سؤال والسؤال ينطوي على الشك وعدم الاطمئنان، والبحث المستمر عن الحقيقة يجعل الفيلسوف لا يتوقف عند فكرة معينة ولا يتسمر فيها، بل يواصل سعيه نحو آفاق أكثر جدة وطرافة، وهذا ما يجعله يتحاشى فكرة أن يموت أحد من أجل الفكر، مادام الفكر هذا قد يتغير بين عشية وضحاها. وليس معنى قولي إن الفيلسوف ليس صاحب مبدأ، بل بالعكس.. ولكن مبدأه الأول والأخير هو الإنسان. ومن الحمق أن يموت إنسان فداء لفكرة هي من إنشائه وخلقه. فكرة قابلة للتبدل والتغير. قد تستحضرون موت سقراط وشجاعته، ولكنني أستحضر حياة وتعقل (وليس جبن) ديكارت وكانط وهيجل وابن سينا وغيرهم. لقد كان سقراط أيديولوجيا عظيما، كما كان فيلسوفا عظيما. وربما أنه هو الاستثناء الوحيد في تاريخ الفلسفة التي لا تعرف لوائح شهداء وقوائم مناضلين .ولكن سقراط أيديولوجي ناقص إذا جازت العبارة؛ فلم تجتمع فيه كل الخصال التي ذكرناها وإلا لكان نسيا منسيا ولكن له خصلة واحدة نقف منها موقفا فيه شيء من إجلال وتقدير وهو الموت في سبيل الفكرة، كما نقف نفس الموقف من كل الشهداء أيا كانوا وأيا كانت قضاياهم التي ماتوا من أجلها، وليس موقف الإجلال منوطا بفكرهم وقضاياهم بقدر ما هو منوط بهذه الشجاعة التي استطاعت أن تقهر الموت بالإقبال عليه إقبالا باسما.
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 118 مسافة ثم الرسالة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.