لم تسع المملكة يوما لإشعال فتيل المواجهات؛ أو إثارة النزاعات في المنطقة؛ بل على العكس من ذلك؛ كانت وما زالت تتحمل تجاوزات الجهلاء؛ وأذاهم رغبة منها في وحدة الصف؛ وتجنيب المنطقة أسباب الفرقة والدمار. الأمر عينه طبقته المملكة في تعاملاتها مع الأزمة اليمنية؛ ولعلي أذكر أن مواجهة المملكة للحوثيين المعتدين على حدودنا الجنوبية؛ كانت منضبطة ومحددة بحماية الحدود؛ حتى وهي قادرة على ملاحقتهم في ثكناتهم وتدميرهم درأ لشرورهم المستقبلية؛ إلا أنها لم تفعل وآثرت التوقف عند الحدود قطعا لدابر الفتنة. يبدو أن الحوثيين وأعوانهم لم يستوعبوا الدرس الأول فآثروا التوسع الداخلي والانقلاب على الشرعية؛ وتهديد المنطقة بأسرها؛ وجر اليمن إلى أتون الحرب الأهلية ذات النفس الطائفي؛ ما قد يقود اليمن وشعبه إلى الهاوية. في ظروفه الطبيعة؛ عانى اليمن من تردي أوضاعه الاقتصادية؛ وانهيار العملة الوطنية؛ وانتشار الفقر والجوع وعدم توفر الطاقة؛ أما بعد سيطرة الحوثيين عليه فقد ازدادت معاناة الشعب؛ وتردى الاقتصاد الذي تعرض للشلل التام؛ والعزلة عن الاقتصاديات المجاورة؛ وهو أمر لن يقتصر تأثيره في حال استمراره على اليمن فحسب بل سيطال الدول المجاورة التي ربما واجهت مشكلات الهجرة والتسلل بأعداد كبيرة هربا من الجوع والفقر. ومن جهة أخرى فمنطقة الخليج؛ الغنية بالنفط؛ لن تكون في منأى عن تداعيات الحروب الأهلية التي قد تحدث هناك بسبب الانقلاب على الشرعية المدعوم من إيران؛ ما قد يعرض اقتصادياتها لمخاطر كبرى خاصة مع تمدد الأزمة اليمنية إلى دول الجوار؛ وهو أمر متوقع ولا شك؛ على أساس أن هدف إيران الرئيس ليس اليمن بل دول الخليج المجاورة. ما تحدثه إيران من فوضى في المنطقة؛ وتدخلها السافر في اليمن؛ ودعمها الانقلاب الحوثي كان كافيا لكشف النوايا ومآلات الأمور على الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية. على أساس أن إيران تعتمد استراتيجية إثارة الفوضى في الدول المستهدفة دون مواجهة مباشرة معها؛ وهذا يقود إلى زعزعة اقتصاديات دول المنطقة والتأثير عليها؛ وربما التأثير مستقبلا على أهم مكونات الاقتصاد الخليجي وهو النفط. لذا رأت المملكة أن قرار الاستجابة لدعوة الرئيس هادي وحماية الشرعية ومواجهة الفتنة اليمنية التي تحركها إيران من خلال الحوثيين وعلي صالح وأعوانهم هو الخيار الأمثل الذي سيحقق الحماية التامة لليمن وشعبه واقتصاده؛ وسيحمي دول الخليج واقتصادياتها من أية تداعيات مستقبلية. الأمن والاستقرار قاعدة الاقتصاد وحاضنته الرئيسة، لذا يمكن لتداعيات الأزمة اليمنية في حال تطورها أن تحدث أثرا كبيرا في اقتصاديات دول الخليج؛ كما حدث من قبل في بعض النزاعات الإقليمية؛ إلا أن «معظم النار من مستصغر الشرر» وما لم تتخذ السعودية ودول الخليج قرار المواجهة الحاسم للقضاء على الانقلابيين والصفويين وأعوانهم دعما للشرعية في اليمن؛ فتداعيات الأزمة مستقبلا وبعد استفحالها قد تكون مؤلمة على الاقتصاد ودول الخليج بشكل عام. بل قد تمتد تداعياتها لأسواق النفط؛ وتحدث أثرا في الاقتصاديات العالمية؛ ما قد يعرض مصالح دول الخليج للخطر. وهو ما أدركه الملك سلمان بن عبدالعزيز بحنكته؛ فآثر المواجهة الحاسمة بعد أن بذل قصار جهده للوصول إلى الحلول السياسية العادلة ولم يساعده الحظ لتعنت الحوثيين؛ وأعوانهم وعملاء إيران في المنطقة. عاصفة الحزم ستعيد الأمور إلى نصابها؛ وستقمع الانقلابيين والإرهابيين والعملاء وأعوانهم وستسهم بإذن الله في إعادة الشرعية وبالتالي استقرار اليمن ودول المنطقة وستضمن بإذن الله سلامة الاقتصاد الذي لا يقوم إلا على الأمن والاستقرار.