يأتي قرار مجلس الوزراء الموقر بجلسته الأخيرة، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بفك ارتباط صناديق وأجهزة حكومية بوزارة المالية وتحويلها لوزارات أخرى مماثلة في أنشطتها لأنشطة تلك الصناديق والأجهزة، إضافة إلى نقل أي نشاط له صلة بالجانب الاقتصادي من وزارة المالية إلى وزارة الاقتصاد والتخطيط، محملا بالعديد من الأبعاد والمضامين المهمة. فوزارة المالية كوزارة خزانة ستتفرغ لضبط إيقاع السياسة المالية للدولة بعد هذا القرار بشكل أفضل، وسيمكنها بشكل أقوى من موازنة جوانب الإنفاق والعمل على زيادة إيرادات الدولة بشكل يستطيع أن يمتص آثار انخفاض النفط، وتقليل آثاره السلبية على مدخولات الدولة، إضافة إلى تخفيض العجز المتوقع، الذي كان فائضا بمتوسط 15% خلال السنوات الخمس الماضية، بمقدار 1% لهذا العام، نتيجة انخفاض أسعار النفط بصورة حادة. ولا شك أن أداء وزارة المالية ونجاحها المتوقع في إنجاز تلك المهام سينعكس إيجابا على تصنيف المملكة الائتماني، والمحافظة على تصنيفها السيادي المرتفع أيضا. ولا أبالغ إن قلت إن قصقصة تلك المهام الزائدة عن اختصاصات وزارة المالية وإلحاق تلك المهام بالوزارات والجهات المماثلة لها في الاختصاص، وتخفيف العبء عن وزارة المالية هو بمثابة إزالة ترهلات تنظيمية تثقل حركة وزارة المالية. وعلى ذلك، فإنه من المتوقع أن تقوم وزارة المالية بموجب هذا القرار بإعادة هيكلة مهامها وأعمالها بعد تقلص أعباء الإشراف على مهام أخرى لم تكن ضمن مهامها الأساسية. وأتوقع كذلك، من خلال التغيير الهيكلي الذي يفترض أن تقوم به وزارة المالية، أن تقوم بزيادة عمليات الرقابة والتحليل على الإنفاق والإيرادات والحصول على نتائج التحليل، بما يسهم في المساعدة على صناعة العديد من القرارات، ليس على الجوانب المالية فحسب، ولكن أيضا على جوانب اجتماعية وتعليمية وصحية، بما يساعد أجهزة الدولة من تحقيق أهدافها، وصناعة أهداف أخرى تضمن استمرار التنمية التي تشهدها دولتنا الحبيبة. كما أن مؤسسة النقد العربي السعودي، كجهة تشترك مع وزارة المالية في حفظ المال العام وضبط السياسة النقدية، ستستفيد كثيرا من هذا القرار، وسيساعدها مستقبلا في حال زيادة نسبة الفوائد من ضبط توافر السيولة بالأسواق، بشكل يحد كثيرا من الوقوع في أي عمليات ركود من شأنها أن تؤثر على مجمل الأوضاع الاقتصادية، إضافة إلى أنها ستتمكن بشكل أفضل من السيطرة على ضبط حركة التضخم، وعدم السماح لها بالارتفاع. وأخيرا فإن نتائج هذا القرار الحكيم سنلمس آثارها بصورة سريعة على المشاريع التنموية التي اضطلعت بها الدولة، وستسير حتما بشكل أسرع، إضافة إلى تمكن الأفراد من تحقيق خفض في تكاليف المعيشة. * محلل مالي