شهدت أسعار النفط هبوطاً حادا خلال الأشهر الماضية، نزولا من مستويات 115 دولارا للبرميل خلال شهر يونيو إلى أقل من 80 دولارا للبرميل في شهر أكتوبر. وإن كانت هذه الاسعار المتدنية سوف تؤثر سلباً على اقتصاديات الدول المنتجة في منظمة أوبك، ولكن نتائجها على المدى الطويل سوف تكون ايجابية، حيث إنها ستحد من الاستثمارات في بدائل النفط مثل النفط الصخري نظراً لتكلفة إنتاجه العالية جداً ولا يستطيع مجاراة النفط التقليدي ذي التكلفة المنخفضة. وفي تقرير لوكالة الطاقة الدولية ذكرت فيه أن العالم سيشهد نموا أضعف بكثير من المتوقع في الطلب على النفط في عام 2015. وتوقعت أن تسجل أسعار الخام مزيدا من الانخفاض وبناء على ذلك فإنه من المتوقع أن تشهد موازنة الدولة عجزاً في الموازنة خلال العام 2015 مع تراجع ايرادات النفط، حيث قدر صندوق النقد الدولي أن متوسط سعر النفط الذي تحتاج إليه المملكة للوصول إلى نقطة التعادل في موازنتها للعام 2015 هو 90.70 ، وهو ما يزيد على متوسط السعر المسجل خلال شهر أكتوبر، وكما هو معلوم فإن الدولة تعتمد وبشكل كبير على ايرادات النفط وتمثل تلك الايرادات حوالى 90% من اجمالي الايرادات لذا فإن أمام الدولة ثلاثة سيناريوهات للتغلب على العجز. إما أن تتجه الى خفض الإنفاق وهذا الحل مع أنه ايجابي في عدم تحميل الموازنة مزيداً من الاعباء المالية، إلا أنه سوف يتسبب في تباطؤ عجلة التنمية وتأثيرها السلبي المباشر وغير المباشر على الاقتصاد المحلي وسوف تتأثر بذلك العديد من القطاعات وفي مقدمتها قطاع الانشاءات وشركات الاسمنت وقطاع البنوك، ليس ذلك فحسب، بل إن تأجيل بعض المشاريع سوف يجعلها تتراكم ويكون تنفيذها مستقبلا أكثر صعوبة. أما الخيار الثاني فيكون بتغطية العجز من احتياطيات العملة الصعبة وهذا حل لمواصلة تنفيذ خطط التنمية وعدم تأثرها وكذلك عدم تحمل الموازنة أعباء مالية وهذا الخيار ليس محبذا لصناع القرار، حيث إن السياسات النقدية السليمة تحافظ على مستوى عال من احتياط النقد الاجنبي وهو مؤشر مهم لقوة اقتصاد الدولة ويحافظ على سعر الصرف للعملة المحلية ويستخدم في تحديد التصنيفات الائتمانية للدول ، ويأتي أخيراً خيار الاقتراض لسد العجز في الموازنة وذلك عن طريق طرح سندات حكومية ذات عائد سنوي ومدة الأجل فيها من سنة الى 10 سنوات وتستفيد منها البنوك والشركات والافراد وإن كان هذا الخيار سوف يحمل الدولة أعباء مالية اضافية تتمثل في العائد على هذه السندات الا أنه سوف يساهم في استمرار خطط التنمية مع المحافظة على احتياطيات الدولة من العملة الصعبة ويساهم أيضاً في سحب سيولة من السوق وبالتالي الحد من معدلات التضخم المرتفعة بسبب وفرة السيولة وعدم وجود منافذ استثمارية مجدية حيث تركز ت السيولة خلال السنوات الماضية في قطاع العقار والأسهم بسبب عزوف المستثمرين عن انشاء مشاريع صناعية ذات جدوى اقتصادية . وفي الختام، أود أن أنوه بأن انخفاض اسعار النفط مع ارتفاع سعر الصرف للدولار مقابل العملات الرئيسية سوف يخفض معدلات تكلفة المعيشة التي شهدت ارتفاعات عالية جداً خلال السنوات العشر الماضية، واستنزفت ميزانيات الأسر وأصبحت نسبة الزيادة السنوية في الراتب أقل من نسبة ارتفاع تكلفة المعيشة. (*) محلل مالي