معظم التشريعات في العالم التي تسعى للشفافية وسيادة القانون تدفع المواطن العادي قبل المتخصص في التجارة أو الأعمال أو الخدمات إلى استخدام المحامي ورجل القانون في معظم أمور حياتهم اليومية حتى بيع وشراء العقار. ومكنت التشريعات من قيام المحامي بالكثير من الأعمال العدلية مثل التوثيق حتى أصبحنا نسمع عن محامي العائلة كما هو الحال عن طبيب العائلة. أما نحن في حياتنا الاجتماعية فنجد الصيدلي والصديق والأم والزوجة وزميل العمل يصفون العلاج للمتوعك حتى تسوء الحالة فيذهب للطبيب بعد تضخم المرض واشتداد الألم فيحتاج حينها إلى التدخل العلاجي المكثف أو الجراحي بعد أن كان العلاج بطريقة بسيطة ممكنا، وللأسف هذا انعكاس لثقافة اللاتخصص وعدم احترام المهنية. وامتد ذلك الانعكاس في المجتمع إلى انقطاع التواصل مع المستشار القانوني ليس فقط من الرجل العادي في قضايا الأحوال الشخصية أو من رجل الإدارة في المؤسسة الحكومية أو السلطات التنفيذية، بل من مجتمع المال و الأعمال. فأكثر من 90 % من قطاع الأعمال السعودي بلا إدارة قانونية أو حتى مستشار قانوني وإن وجد فهناك قصور في الكفاءات وطبيعة المهام. وامتدت ثقافة عدم احترام المهنية إلى كيفية اختيار المحامي حيث إن الأفضلية في الاختيار لدى رجال الأعمال في المشورة والتقاضي هو لأساتذة الشريعة والقانون بالجامعات وذلك بالمخالفة لنظام الخدمة المدنية والتعليم ونظام المحاماة، وبنفس الفكر يعمد بعض رجال الأعمال إلى الأستعانة بالمستشارين في القطاعات الحكومية والخاصة الذين يقدمون لهم المشورة بالمخالفة للأنظمة بما فيها نظام العمل لمن هم بالقطاع الخاص، ويلجأ بعض رجال الأعمال إلى الوكلاء والمعقبين وفي بعض الأحيان إلى العاطلين ليقدموا لهم خدمات الترافع أمام القضاء، وحتما سيدفع هؤلاء الذين أساؤوا الاختيار ضريبة فادحة من الخسائر والأضرار لأعمالهم وسمعتهم. كما أن العديد من الغرف التجارية الصناعية ومعها مجلس الغرف والكثير من مؤسسات وشركات القطاع الخاص يحمل معظم منسوبي إدارتها القانونية رخص محاماة بالمخالفة لقانون المحاماة دون التوسع في شرح ذلك لمعانيه الخطيرة على أكثر من صعيد ويساهم ذلك بشكل كبير في دعم الفساد الحقوقي عندما تؤيد مطالب بعض لجانها الكبرى مثل اللجنة التجارية ولجنة المقاولات والسيارات وغيرها كثير بعدم تطبيق نظام المحاماة ومعهم بكل أسف المحاسبون القانونيون. ومعظم الشركات المساهمة لا توجد لديها إدارات قانونية والأسوأ أنها تطلب ألا ينطبق عليها نظام المحاماة وتفضل أن يترافع عنها في المحاكم موظفو الشركة من المعقبين والوكلاء في تفريط شديد في حقوق المساهمين وفي مخالفة لمتطلبات الحوكمة والشفافية، ولو كنت ممثلا للمساهمين أو مسؤولا في وزارة التجارة أو هيئة السوق المالية لمنعت عددا كبيرا من أعضاء مجلس إدارة الشركات وكبار تنفيذيها من العمل في الشركات المساهمة العامة حماية للاقتصاد والأعمال وكبار وصغار المساهمين والمستثمرين من الفساد الحقوقي الذي تمارسه بعض الشركات المساهمة العامة وغيرها من الشركات الكبرى بكل أسف. إن تفعيل نظام المحاماة وخاصة المادة (2) وقصر الترافع أمام القضاء على المحامين المرخص لهم من مقام وزارة العدل دون غيرهم أمام المحاكم وديوان المظالم واللجان القضائية والتأكيد على الجميع بالتقيد بصحيح نص المادة 18 حول استثناءات تطبيق النظام، وهو ليس فقط مصلحة للقضاء والعدالة وانتصار لها بل هو مصلحة وطنية عليا لتطوير ثقافة الحقوق والقانون والتقاضي وسيادة القانون ومكافحة الفساد ودعم النزاهة في إطار مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير القضاء..