إن الطفرة الاقتصادية والتشريعية والحقوقية والمؤسساتية التي تعيشها البلاد والتي تكتسب صفة الاستمرار في ظل قيادتنا الرشيدة فرضت الاحتياج الكبير والهائل لخدمات الاستشارات القانونية والمحاماة والذي كان أكبر من قدرات وإمكانات مكاتب المحاماة الوطنية لذلك شاهدنا وللأسف الشديد ولمواكبة الاحتياجات التنموية الكبيرة والهائلة الاستعانة الكبيرة بمكاتب المحاماة الأجنبية التي فضلت التواجد في الدول الخليجية والعربية المجاورة لنا لأسباب ليس من الأهمية ذكرها الآن بل الأهم هو أنهم يقدرون بعدة مئات من المحامين ممثلين لعشرات المكاتب الأجنبية حصلت على عوائد تقدر بمليار دولار سنوياً في السنوات الخمس الماضية فخسرنا تلك المبالغ من المجتمع والأهم لم نحصل على علوم المعرفة القانونية الحديثة المواكبة لاحتياجات ومتطلبات التنمية الحالية والمستقبلية، فعقود الخصخصة والتمويل والإنشاءات الهندسية B.O.T والتطوير العقاري والشركات المساهمة والأعمال المصرفية والمالية والاستثمار بما في ذلك مشاريع المدن الاقتصادية ومشاريع النفط والغاز والكهرباء والمياه، وغيرها صنعت في مكاتب المحاماة الأجنبية وستظهر بكل آسف آثار ذلك ونتائجه السلبية في القادم من السنوات، خاصة أن دور معظم المكاتب الوطنية التي شاركت في تلك الأعمال اقتصر على العلاقات العامة والتسويق، وهو أمر يدعو أيضاً للأسف. وفي ظل متطلبات منظمة التجارة العالمية وقوانين الملكية الفكرية وأعمال شركات التأمين والوساطة المالية ومتطلبات الحوكمة ومتغيرات العولمة من قضايا إغراق وإعادة هيكلة وعلاقات تجارية دولية، وفتح العديد من المجالات الجديدة للاستثمار الأجنبي والوطني، وفي ظل مشاريع الخصخصة والشراكة بين القطاعين الخاص والحكومي، وفي ظل تخصيص القضاء وإنشاء محاكم متخصصة من تجارية وعمالية وجزائية وأحوال شخصية فإن الأمر يحتم التخصص في مجال أعمال المحاماة والاستشارات القانونية. وإذ ما علمنا بأن المحكمة التجارية سيشمل اختصاصها ما هو موجود الآن بالدوائر التجارية بديوان المظالم بالإضافة إلى أعمال أكثر من خمسين لجنة قضائية متواجدة حالياً في وزارات مثل التجارة والمالية وغيرها من مؤسسات الدولة بالإضافة إلى استحداث محاكم الاستئناف وهو ما يعني مضاعفة حجم الأعمال القانونية في الدعوى الواحدة بعد أن أصبحت من درجتين أو مرحلتين، فإننا نجد أن هناك قصوراً في تطبيق وتفعيل نظام المحاماة، فمازال الترافع أمام المحاكم وديون المظالم واللجان القضائية من غير المحامين المرخصين من وزارة العدل بل إننا نجد من أصحاب مهن مختلفة أخرى مثل المحاسبة والمالية والإدارية والهندسة والطب يباشرون أعمالاً قانونية مخالفين بذلك نظام المحاماة ومتجاوزين ما هم مرخصون لأجله. هذه الممارسات السلبية تضر بتطوير القضاء والتقاضي والحقوق والعدالة التي يبتغيها المجتمع من مرفق القضاء بالمفهوم الشامل والكامل للسلطة القضائية، ويقدر ما يصرف لتلك الفئات المتطاولة على أعمال المحاماة والاستشارات والخدمات القانونية بما لا يقل عن ملياري ريال سنوياً تدفع من أصحاب المصلحة دون أن يحصلوا على تلك المصلحة وتؤثر سلبياً على تطور وتطوير إمكانات مكاتب المحاماة الوطنية القادرة على توظيف ما لا يقل عن 20.000 مواطن من الرجال والنساء برواتب عالية ومجزية وفي وظائف مهنية وإدارية متنوعة في مكاتب المحاماة، بل وفتح مجالات جديدة للاستثمار في التعليم والتدريب القانوني والحقوقي تقدر بعشرات الملايين من الريالات. ولكي نضع بعض الأمور في نصابها نقول إن عمل بعض موظفي الدولة من الحقوقيين أو تعاونهم مع مكاتب المحاماة وقيام مستشاري الشركات الخاصة بالتعاون مع مكاتب المحاماة، وعمل المحامين المرخصين من وزارة العدل في شركات ومؤسسات حكومية، وعدم قبول بعض الأجهزة الحقوقية والأمنية للمحامي وغير ذلك، بعض من واقع مؤسف وغير سليم وبحاجة إلى تغيير جذري ولا يمكن أن يكون هذا التغيير بدون إنشاء الهيئة الوطنية للمحامين التي نطالب اليوم وأكثر من أي وقت مضى بإقرارها، ليس فقط لمعالجة ما سبق ذكره ولكن أيضاً لمعالجة ظاهرة التستر المهني وتطوير التعليم والتدريب والتأهيل وتفعيل التأديب وحقوق المحامين وغيرها مما يتوجب على هيئة مهنية القيام به تشارك في بناء المجتمع والدفاع عن مصالحه ومكتسباته وتكون عونا لسلطات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية.