مثلت كلمة خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله الضافية والوافية استراتيجية عمل متكاملة للمرحلة القادمة، عرض فيها أيده الله للمواطنين والمواطنات تحديات الشأن الأمني والاقتصادي والسياسي والصحي بكل شفافية ووضوح. ولاريب أن التأكيد الذي تضمنته الكلمة على تطوير الخدمات الصحية والارتقاء بها وإتاحتها لكافة المواطنين أينما كانوا بكافة أنواع الرعاية الصحية الأولية والمرجعية والمتخصصة أثلج صدور أبناء هذه البلاد الكريمة. وبلا أدنى شك فثمة تحديات وصعوبات معروفة لازمت القطاع الصحي الحكومي وأثرت على درجة الرضا عليه من قبل شريحة كبيرة من المواطنين، حيث كان من الضروري أن يكون الارتقاء بالصحة من ضمن أولويات الدولة في المرحلة القادمة. المشاريع الصحية المتعثرة هي من أهم الأسباب التي تؤدي إلى ضعف الرعاية الصحية وإتاحتها للمواطنين، فالزيادة المضطردة التي نشهدها في عدد السكان لابد أن يقابلها زيادة في عدد المراكز الصحية والمستشفيات، وتعثر إنجاز هذه المشاريع يؤدي إلى ازدحام المرافق الصحية القائمة وتكدس المرضى، ويؤدي كل ذلك إلى إطالة فترة الانتظار لتقديم الرعاية الطبية وزيادة معدل العدوى في المستشفيات، حدوث الارتباك بين الأطقم الطبية وحدوث أخطاء طبية تؤثر على سلامة المرضى. لو أصدرت وزارة الصحة قائمة بالمرافق الصحية المتعثرة في كل أنحاء المملكة سيكون الرقم صادما للكثيرين، السبب يعود إلى ضعف في منظومة الإشراف والمتابعة على هذه المشاريع والتخطيط ودراسة العروض والمواصفات الفنية من قبل الوزارة، ولا أدل من ذلك إلا عدد المستشفيات التي تم إجراء تعديلات كثيرة في تصميمها الداخلي مما أدى إلى زيادة فترة تعثرها مثل مستشفى شمال وشرق جدة ومستشفى الولادة والأطفال بالطائف، ثم إن إرساء العقود على شركات غير مؤهلة لتنفيذ المشاريع بحجة السعر الأقل يعمق هذه المشكلة، كما أن الكثير من هذه الشركات تعطي عقودا لشركات أخرى بالباطن، المصيبة الأكبر لوزارة الصحة تكمن بعد ذلك في تشغيل هذه المستشفيات بالكفاءات الصحية المؤهلة والمدربة في ظل المنافسة الشرسة في الرواتب والميزات الممنوحة للمتعاقدين الصحيين في الدول المجاورة وحتى بداخل الوطن في القطاع الخاص وبعض القطاعات الحكومية الأخرى. من الخطوات الجيدة التي قام بها معالي وزير الصحة أحمد الخطيب هي تعيين مسؤول يختص بمتابعة ملف المشاريع المتعثرة ومتابعة تشغيلها، وأنا أرى أن يضع هذا المسؤول أولويات له في تنفيذ وتشغيل المشاريع المتعثرة تعتمد على فترة التعثر والاحتياج الأكبر والآني للخدمة الصحية، وفي الحقيقة إن عدم توفر أراضٍ للوزارة لتنفيذ هذه المشاريع في وسط المدن كمدينة جدة كان عائقا آخر لتنفيذ مستشفيات ومراكز صحية للمواطنين، بالرغم من أن بعض الأراضي قد استولى عليها البعض بطريقة أو بأخرى عبر السنين وقد كتبت عن هذا الموضوع العام الماضي ولم يحرك أحد ساكنا!! أرامكو بأطقمها الهندسية المحترفة قامت بتجهيز عدد كبير من غرف العناية المركزة في مستشفى شمال جدة وقامت بإجراء تعديلات داخلية هامة في المبنى وفي مجال السلامة، ومع كل ذلك مازال المستشفى يعمل جزئيا في استقبال بعض حالات كورونا ولم يستفد جل المواطنين منه، بسبب عدم توفر كوادر طبية مؤهلة وإلغاء عدد من الوظائف فيه!. لابد أن يولى عملية التخطيط والتصميم والتنفيذ والتشغيل لهذه المشاريع شركات عالمية مؤهلة، ويكون دور وزارة الصحة والأجهزة الرقابية الحكومية إشرافيا ومتابعا فقط، فالتأخير في تنفيذ هذه المشاريع يجب أن يكون خطا أحمر.