فكرت في موضوع الخزان أو «التانكي» بلغة «أهل أول» عندما جلست في الطائرة. وتحديدا عندما جلست في مقعدي المريح في منتصف المقصورة، فوق مقدمة الجناح في البوينج 777. وحمدت الله عز وجل على ما سخره لنا من نعم لا تعد ولا تحصى، ومنها نعمة هذه الوسيلة الجميلة الآمنة، ثم تلوت دعاء السفر. وأدركت أنني كنت جالسا فوق الخزانات الرئيسة. وأحسست أن طائرتنا تشبه صهريج الوقود الطائر، وأن خزاناتها تستطيع استيعاب حوالى مائة وثمانين ألف ليتر من الوقود الذي يعشق النار، فتلوت دعاء السفر مرة ثانية وبخشوع أكبر. وموضوع الخزانات بشكل عام يحتاج إلى التأمل العميق. تحتوي هذه الطائرة على ثلاثة خزانات عملاقة في جسمها وجناحيها. والوقود في هذه الطائرة ليس بنزين، فهو أقرب للقاز الذي كنا نستعمله في «الدوافير» أيام زمان. يعني عندما «تشمم» محركات هذه الطائرة القاز.. تفرح.. بل يشتعل داخلها فرحا. وتستهلك طائرتنا التي تتميز باستخدامها لأكبر وأقوى محركات نفاثة في التاريخ الوقود بمعدل حوالى ليترين إلا ربع الليتر في الثانية الواحدة. وقارنت هذا بخزان وقود سيارتي المتواضع الذي يبلغ حوالى 68 لترا فقط والذي أستعمله في خلال حوالى تسعة أيام. ووجدت أن موضوع الخزانات بشكل عام يحتوي على العجائب وإليكم بعضها: أحد أغرب الخزانات في العالم هو خزان المكوك الفضائي، وكان عبارة عن «ترموس» عملاق. كان أكبر المكونات الأساسية للمكوك، وكان أيضا الجزء الأساس الوحيد الذي لا يعاد استخدامه بعد كل رحلة فضائية لأنه كان مصمما ليحترق في الفضاء الخارجي قبل عودته للأرض. ووقود المحركات الأساسية للمكوك هو الأوكسجين والهيدروجين السائلين. ومن الطرائف أن احتراق الوقود كان يولد خليط الهدروجين والأوكسجين وهو بخار الماء. وبالتالي، فالمكوك الفضائي كان صديقا للبيئة في بعض جوانبه. ولاحتوائهما في الوضع السائل كان من الضروري جدا أن يتم تبريد الخزان الى درجة حرارة منخفضة جدا. وتحديدا فكان الخزان الأساس يحوى على جزءين منفصلين: أعلاهما يحتوي على الأكسجين السائل. وليبقى على حاله السائل، يتم تبريده إلى درجة حرارة 171 تحت الصفر. وأما الجزء السفلي من الخزان فيحتوي على الهيدروجين السائل وليبقى سائلا فيجب أن تكون درجة حرارته حوالى 253 تحت الصفر. وأما حجم «التنكي» فكان عملاقا بمعنى الكلمة فارتفاعه كان يعادل ارتفاع ثلثي مبنى الفرع الرئيس للبنك الأهلي في وسط جدة، وقطره يعادل تقريبا طول سيارتين من طراز «سوناتا». وكان يستوعب لحوالى مليوني لتر من الوقود ويضخه لمحركات المكوك الجبارة خلال خمسمائة ثانية فقط. ومن عجائب ذلك الخزان أنه بعد أن تنفد محتوياته بعد حوالى ثماني دقائق من الانطلاق، يتم التخلص منه بالكامل. وتحديدا يتم «زقله» من المكوك من على ارتفاع حوالى ثلاث مائة وخمسين ألف قدم. وبسبب سرعته العالية، كان يستمر في الصعود الى أن يصل ارتفاعه الى حوالى سبعمائة ألف قدم قبل أن يهوى ويشتعل بسبب احتكاكه بالهواء، ثم تتناثر أشلاؤه بالكامل بمشيئة الله. أغرب من الخيال. أمنية العديد من الآلات الكهربائية لا تحتاج إلى مخازن لطاقتها، ولكن لو بحثت عن أهم استخدام لها ستجد أنها بداخلنا. «تنكي» الجسم الإنساني من النعم العظيمة التي أنعم الله بها على البشرية لضمان عدم انقطاع التزود بالطاقة، ومعظمها هي الشحوم التي نحملها بداخلنا. وهي ضرورية لتوفير الطاقة، ولكننا للأسف «نزود العيار» فنحمل كميات أكثر وأكبر بكثير مما نحتاج. أتمنى أن نعيد النظر في «التنكي» الأدمي الغلبان الذي نحمله أكثر من احتياجه الفعلي اليوم وكل يوم. وكان الله في العون. وهو من وراء القصد.