أكتب هذا المقال في داخل طائرة بوينج 777 من على ارتفاع 37000 قدم حيث تبلغ درجة الحرارة على بعد عشرين سنتيمترا من وجهي حوالى 52 درجة تحت الصفر.. برد شديد يصح بوصفه أنه ممكن أن «يقص المسمار»، ولكنه لا يقارن بأبرد درجة حرارة على الإطلاق وهي 273 تحت الصفر، والتي لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال وفي أي مكان.. فلو قال لك أحد الجماعة إياهم إنه زار مكانا باردا وكانت درجة الحرارة فيه ثلاثمائة درجة مئوية تحت الصفر أو نحو ذلك، فتأكد أنه غير صادق.. وثاني أبرد درجة حرارة على كوكبنا ستجدها بداخل خزان وقود المكوك الفضائي العملاق الذي يستعمل الأوكسجين والهيدروجين السائلين.. وطبعا لجعلهما سائلين يجب تخفيض درجة حرارة الخزان بشكل رهيب.. ومن العجائب أن نستكشف تعامل المخلوقات مع البرد بأشكاله المختلفة.. النحل مثلا يرتعش لفترة ويحرك جناحيه برفرفة سريعة جدا قبل الطيران ليرفع درجة حرارة عضلاته فيجهزها لبذل المجهود الكبير الذي يبذله في الإقلاع والتحليق.. وأما بداخل خلايا هذه الحشرات العجيبة، فيتجمع النحل في مجموعات كروية لتكوين أصغر نسبة سطح إلى الحجم هندسيا، وكلما كانت تلك النسبة أصغر، تتقلص كمية الطاقة التي تفقدها المجموعة خلال فترات البرد القارص.. منتهى الذكاء من مخلوقات لا يتعدى مخها التاء المربوطة في آخر هذه الجملة.. وسبحان المدبر الحكيم.. وهناك أنواع من الفراشات التي تدبر حمايتها ضد البرد بوضع بيضها بداخل غلاف يحتوى على مادة الجليسرول وهو المكون الرئيسي لما نصب في «راديتر» سيارتنا لحمايتها من درجات الحرارة المنخفضة.. وهناك أيضا بعض التدابير «المرعبة» ضد البرد، فبعض أنواع الزنابير تعمد إلى التزاوج قبل فترة البرد القارص لأن الخطة للذكور أثناء فترة البرد هي أن يتوكلوا على الله.. يعنى بكل بساطة أن يموتوا من البرد.. ولا ننسى أن خلال قراءتك لهذه الكلمات تستعد ملايين المخلوقات للسبات أي قضاء فترة الشتاء في حالة تشبه الموت، وسبحان الله الذي يدبر أمورهم أثناء هذه الفترات العجيبة التي يستعدون للاختباء، أو دفن أنفسهم، ثم النوم العميق بعيدا عن أعدائهم. كل يوم خلال هذا الوقت من العام يطول الليل ويقصر النهار، وكل يوم تنخفض فيه الحرارة وتلجأ ملايين المخلوقات إلى ما مكنها الله من التدابير للتعامل مع البراد المقبل. أمنية خلال الاعتداء الإسرائيلي الأخير على غزة تم تدمير أكثر من أربعة آلاف مبنى وأكثر من خمسين ألف وحدة سكنية، مما تسبب في تشريد أعداد كبيرة تقدر بأكثر من ثلاثمائة ألف مواطن مدني فلسطيني.. وكل يوم يستقبلون إشراقة كل شمس بانخفاض في الحرارة وكأن مشكلاتهم غير كافية، فيضاف إليها تحدي التعامل مع البرد القارص.. أتمنى أن ترتفع وتيرة المساعدات لهؤلاء الأبرياء الذين يعانون. ولنتذكرهم اليوم وكل يوم.. ولنتذكر أيضا أن من أكبر المخاطر على القضية الفلسطينية هي أن ينساها الضمير العالمي، والأخطر من ذلك أن ينساها الضمير المسلم والعربي. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة