كنا نتحرك بسرعة تعادل حوالى 84 في المائة من سرعة الصوت لنغطي ما يعادل طول حوالى 51 سيارة «لاند كروزر» في الثانية الواحدة. وبالرغم أن كثافة الهواء على ذلك الارتفاع هي أقل من ثلث كثافته على ضفاف شواطىء جدة، إلا أن طائرتنا البوينج كانت تحتاج إلى كمية مهولة من الطاقة لتتحرك لأن وزننا كان يعادل وزن حوالى 42 فيلا أفريقيا بالغا. كنا نحرق ما يعادل محتوى أربع علب بيبسي من الوقود في الثانية الواحدة. وتأملت في تلك الحسابات المذهلة ووجدتها مجرد «لعب عيال» بالنسبة لمكوك الفضاء الذي وصل إلى مرحلة التقاعد. تخيل أن المكوك يحرق تقريبا ما يعادل محتوى الوقود في ثلاثين ألف علبة بيبسي في الثانية الواحدة أثناء انطلاقه. ولهواة السيارات فتتفوق هذه المركبة الضخمة التي يعادل طولها حوالى سبع سيارت «كابريس» فى معدل تسارعها على «البورشه 911 توربو». وتحديدا فيتسارع المكوك من صفر إلى 160 كيلومترا في الساعة في حوالى أربع ثوان فقط لا غير. في الوقت الذي ممكن أن نسبح فيه أربع مرات. هذا بالرغم أن وزن «رصة» المكوك يفوق المليوني كيلوجرام. والمقصود «بالرصة» هنا هو المكونات التالية: المكوك الذي يحمل الرواد والعتاد، والصاروخان الداعمان على جانبيه، وخزان الوقود العملاق المثبت على بطنه. علما بأن أكثر من ثمانين بالمائة من وزن تلك الكتلة الجبارة هي عبارة عن وقود. يعني حوالى مليون وستمائة ألف كيلوجرام.. ما يعادل وزن حوالى ألف سيارة «كامري». وبعضه من الوقود السائل، وبعضه وقود صلب ليزود مجموعة مختلفة من المحركات بالطاقة. وتحديدا فهناك 54 محركا ضمن منظومة دفع المكوك. بعضها تعمل في الدفع المبدئي، وبعضها تعمل أثناء مراحل العودة فقط، والبعض الآخر يعمل بهدف تدوير مولدات الطاقة لتنشيط دورات السوائل الهيدروليكية بداخل أوعية المكوك. معلومات مذهلة ولكن العجيب فعلا هو أن هناك آلية دقيقة لنسف كل هذا. أقصد هنا تفجير وفركشة «الجمل بما حمل»: الرصة بما فيها الرواد والحمولة. وإليكم التفاصيل: من أغرب الوظائف في وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» هي وظيفة ضابط مدى الأمان Range Safety Officer ومهمته تشغيل نظام «إنهاء رحلة الطيران» Flight Termination System ويعنى بالتفجير بالكامل لو انحرفت المركبة أثناء صعودها خارج إطار أمان معين. وخلفية الموضوع أن الصاروخين الداعمين يعملان بشراسة غير طبيعية فمنذ لحظة اشتعلاهما، يعطيان مائة في المائة من قوتهما ولا يمكن التحكم في عطائهما. ولذا فلو خرجا عن خطة عملهما الدقيقة فقد يعرض ذلك آلاف البشر على الأرض لمخاطر كبرى نظرا لكمية الوقود الهائلة التي تحملها الرصة. ولذا ففي حال حدوث أي خلل، فعلى هذا الضابط ذي المهمة العجيبة أن يشغل نظام تفعيل شحنة متفجرات مثبتة على خزان الوقود، وعلى الصاروخين الداعمين خلال ثانيتين من اختلال خطة الطيران عن المدى المسموح به في إطار السلامة. ولو استمرت المركبة في انحرافها خارج المدى المسموح به، فيضغط على الموجه الذي تنسف الصاروخين والخزان. ولكل من شاهد كارثة مركبة «تشالنجر» في فبراير 1986 قد يتذكر أن الصاروخين انفجرا في آن واحد بعد اشتعال وانفجار خزان الوقود العملاق. والسبب؟ نظام «فركشة» المهمة المتعمد لحماية المدنيين على الأرض. أمنية هناك ما هو أهم من كل هذا، فمن يراقب بعض قادة الأنظمة العربية في الفترة الأخيرة، سيجد ما يضاهي أنظمة «الفركشة» لشعوبهم، ومكتسباتهم الحضارية مهما كانت متواضعة. فهم مستعدون لضغط الأزارير لتدمير أوطانهم لقاء بقائهم على كراسي لا يملكونها أصلا. أتمنى أن تكون مصلحة الوطن هي الأولى دائما فكل نفس بشرية مهمة وتستحق الكرامة والتوقير، وكل مكسب حضاري جدير بالحرص مهما كان صغيرا. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة