علاقاتنا بالمكائن والمحركات عجيبة فبعضها يثير فينا الإعجاب وعلى سبيل المثال نجد سيارة البيجو 404 الأسطورية التي كانت أسطورة خط جدةالمدينة منذ حوالي أربعين سنة...و«الكريسيدا» التي كانت أسطورة الخدمة بداخل المدن السعودية، والتي لازالت تخدم إلى يومنا هذا بالرغم من مرور حوالي سدس قرن على إيقاف تصنيعها، وبعضها يثير فينا العشق فأعترف بدون أي خجل أنني من عشاق البوينج 747 الشهيرة بالجامبو والتي تثبت جدارتها يوميا وبالذات بنهاية شهر ذي القعدة عندما نراها تصطف في «طوابير» سماء جدة حاملة ضيوف الرحمن بأعدادهم الكبيرة لتأدية رحلة العمر...وهناك آلات الكاسيو الحاسبة التي أنقذتني والملايين مثلي في مجهود الحسابات عبر السنوات...ولكن هناك بعض المحركات التي تحتوي على جوانب محزنة لأنها تذكرنا بواقع أليم وهذا أحدها: في منتصف السبعينات الميلادية بدأ التنافس الشرس لتطوير المحركات الأساسية للمكوك الفضائي...وقامت شركة «روكيت داين» Rocketdyne الأمريكية بتطوير محرك لا مثيل له...محرك ينتج قوة تعادل قوة حوالي ألف سيارة «لاند كروزر»... يلتهم أغرب الوقود المكون من الهيدروجين والأوكسجين السائلين بنسبة 1 إلى 6 بمعدل استهلاك يصل إلى حوالي أربعة آلاف ليتر في الثانية الواحدة وهذه كمية تعادل متوسط استهلاك الوقود لسيارتنا العائلية خلال فترة سنة كاملة تقريبا ويخرج اتحاد الهيدروجين والأكسجين بغضب وسرعة تصل إلى حوالي ثلاثة عشر ألف كيلو متر في الساعة...وهناك المزيد فوقود هذا المحرك العجيب السائل لابد وأن يحفظ في خزان بارد...وكلمة «بارد» لا تنصفه ...فهو أبرد من دم «بنيامين نيتن ياهو»... بل ويعتبر من أبرد درجات الحرارة في العالم، وتحديدا فتصل برودته إلى 253 درجة مئوية تحت الصفر...يعني «الفريزر» في ثلاجة منزلك يعتبر كأنه نار مشتعلة نسبة إلى درجة حرارة هذا الوقود...وللعلم فأقل درجة حرارة في العالم هي 273 تحت الصفر...الشاهد هنا أن هذا الوقود يحفظ على هذه البرودة الخيالية ليبقى في وضعه السائل...ولكن عند دخوله المحرك يشتعل وترتفع درجة حرارته إلى 3300 درجة مئوية فوق الصفر...وللعلم فدرجة حرارة نار «الدافور» بالمقارنة إلى هذه الحرارة تعتبر ثلاجة «فريزر» ...وحتى الفرن في مطبخك لا يصل إلى عشرين في المائة من شدة حرارة هذه النيران الغاضبة فهي تفوق ضعف درجة انصهار الحديد...وكل ذلك من محرك لا يتعدى وزنه ما يعادل وزن سيارتي «كامري» ...الشاهد في الموضوع أنه خلال التجارب لاختبار هذا المحرك كان لابد من ضخ الوقود البارد جدا باستخدام مضخات جبارة ومن ثم مراقبة أدائه، وقياس جميع الأبعاد الهندسية لعمله...وتحديدا فكان لابد وأن تصل سرعة المضخة التوربينية الرئيسة التي تضخ الوقود إلى سرعة 4600 لفة في الدقيقة خلال ثانية وربع وإلا فلن يعمل المحرك...وتعادل هذه سرعة محرك سيارات بعض الشباب ليلة الجمعة ...وعملت الشركة لمدة ثلاثة وعشرين أسبوعا متواصلا باستخدام إمكانيات ضخمة لتصل إلى فترة عمل للمحرك تبلغ ثانيتين فقط لقياس الأداء خلالهما...وأصبحت هاجس فريق تطوير المحرك بل وأصبحت الثانيتان جزءا من فلسفة تطوير المحرك في الشركة...تأمل مقدار هذه الفترة الزمنية، وحاول أن تتخيل أي جهاز إداري أو فني في العالمين الإسلامي والعربي يحترم هذه الفترة الزمنية كوحدة قياس في أداء أعماله...معلومة محبطة. أمنية هناك وسيلة لاحترام واستخدام الثانيتين للحصول على أعلى مردود وهي أن تقول «سبحان الله وبحمده» وهي تستغرق فترة ثانيتين فقط لا غير...فضلا جربها وقم بتوقيت قولها...وبعض ما نحسبه قليلا هو في الواقع كاف لكسب الكثير في الدنيا والآخرة بمشيئة الله...أتمنى أن نعيد تقويم أهمية الزمن كجزء أساس من ثقافة تطورنا والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة