كانت القرى تلغي ثقافة التمييز والعنصرية كون الكل في خدمة الكل وأنسنة الحياة جزء من يوميات القرويين. مررت من أسبوع على صديق وجدته متوترا من أحداث الأسبوع الماضي قال لي: يا أخي تغيرت الحياة والبشر هم من غيروها بأفكار وشعارات وتعامل ليس من الإسلام في شيء كوننا نعرف الإسلام من قبل الصحوة وكانت المرأة صنو الرجل حسا ومعنى تستقبل الضيف وتكرم الوافد وتسرح الوادي وتهبط السوق بل وتأخذ علما وتعطي علما، وأقسم لي أن زارع القمح وقت الصرام يقرع أبواب الجيران قبل أذان الفجر وينادي صاحبة الدار: (يا فلانة) قومي نسرح قبل ما تشتد حرارة الشمس) وزوجها يفتح الباب ويبارك مشاركة زوجته مع نساء ورجال القرية بكل حشمة ونقاء طوية، كانت المرأة تفزع للعمل مع الجيران في الحصاد والدياس ويوم الطينة تزف قرب الماء للمطينة في زمن ثقافة العمل التي كان التفكير فيها منصبا على الإنتاجية وتأمين لقمة العيش ولم يكن هناك تبرم أو نقاش أو جدل حول وجه المرأة ولا قفاها باعتبارها كائنا حيا شأنها شأن شقيقها الرجل، ولا تزال أهازيج الأمهات تتردد في أسماع جيلي والأجيال السابقة (جريننا وما فيه، وما ضمت حواشيه، والبركة آهي فيه) ويروي أبو وازع أن والده الشيخ رحمه الله عاد البلدة في الثمانينات فقيها وبدأ بزراعة الأرض وعندما استوت سنابل البر طلب الجماعة الفزعة للصرام فتقاطروا تدفعهم الشيمة رجالا ونساء فقال لهم: حرام، أريد الرجال فقط والنساء يعدن للبيت، فقالوا: اصرم لوحدك وعادوا أدراجهم وقضى يومه عاجزا عن حصاد الركايب ولم يجد بدا من الاعتذار لهم وخفف من حدة التعصب لقول فقهي مختلف عليه وتقبل أن يسهم معه الرجال والنساء وأعد لهم وجبة دسمة، وكان الشاعر عبدالله البيضاني يصدح (الهريري قال يا كم عاهد الخائن وصدقناه، أثره ما هو ناوي إلا بامتحان القلب وعواذيبه، والقدم قصده يوردّها على الدرب المعثرا). وسلامتكم.