لا شك في أن الإسلام قدر حاجة المسلم للزواج بأكثر من واحدة وأقل من خمس، والإنسان المسلم هو من يقدر مدى الحاجة للتعدد. والزوجة لن تقبل التعدد مهما أبدت من تأييد وحض لزوجها للتعدد، وأسباب الرفض تتركز في أمور منها المشاركة في الحب والمنافسة في امتلاك مشاعر الزوج، والخشية من المشاركة في المكانة ونجابة الأبناء وما يترتب على وجودهم من أمور أخرى. وكان التعدد في الماضي مألوفا بسبب الحاجة والتسامح والاستسلام. وقد قيل في هذا الموضوع ما قيل من رفض واستحسان. ويروي الأستاذ مشوح بن عبدالرحمن المشوح في كتابه: حكايات من الماضي (صور من حياة القرى قبل الأمن والاستقرار) قصة في هذا الموضوع، فيها من الطرافة ما دفعني لطرحها اليوم، ذلك أن الشيخ إبراهيم النوفل كان من ملاك الأراضي الزراعية في الفيضة، ولاحظ في أحد المواسم الزراعية جودة الانتاج الزراعي فقال: هذه السنة الزرع جيد وسنتزوج. كان الشيخ يمزح وأراد أن يبلغ كلامه زوجه الشاعرة حصة النوفل ليرى ردة الفعل لديها. كانت الشاعرة تدرك مداعبة زوجها مما يكن كل منهما من حب وتقدير للآخر فأحبت أن تمازحه قهرا بقهر فقالت: يا الله لعله وان نوى العرس تعطيه ضربة نجاز ما يرد الشهادة إن كان صيده كثرة المال مطغيه يا الله يا مولاي عجل نفاده وان كان صيده طيبات سوانيه حرر عليهن في الدفاتر شهادة وان كان صيده جيد الزرع مطغيه فالزرع ما يسوى حصادة ورجادة وضربة النجاز هي الضربة القاضية. والموضوع مداعبة على طريقة أهل زمنها فيما قبل عام 1350ه. ويذكر أن رجلا تقدمت زوجه في السن وأراد الزواج من شابة تجدد حياته – كما يقولون – فسأل زوجه يستطلعها في الأمر ويستشعر ردة فعلها، فقالت له: تزوج يا غنيم لكن تعدل في المبيت أريدك أن تبيت لديها ليلتها، أما ليلتي فتقضيها في مجلسك.. لا أعرفك ولا تعرفني. وذات ليلة زاره ضيف فأمضى الليل يسامره، وكانت هذه الليلة للأولى، وفي منتصف الليل تسلل إلى مخدع زوجه الجديدة، مخترقا مراح الأغنام يحبو، فإذا بصاحبة الليلة تمسكه من عنقه قائلة: عوّد يا غنيم وين رايح؟ عود لمجلسك. يا حرمة لا تفضحينا مع الضيف. ما همني الضيف، وين العهد الذي بيننا؟ وإذا بالضيف يرفع صوته بعد سماع حوارهما: قاود يا غنيم. وغدت مثلا. نعود إلى الشاعرة حصة النوفل، فقد قتل زوجها في إحدى الغزوات فرثته بأبيات مؤثرة، وهو زوج سابق لزوجها إبراهيم النوفل: يا ليت خلي يوم قربت مناياه إنه طريح عندنا بالفراش غدا زمان الحرث واطول هجراه حالت عليه عداه وسط المهاش ما هو بحي وسالمٍ أترجّاه وارجيه رجوى البدو نزل الرشاش يا ليتنا في حزم ساجر دفناه وصلوا عليه مكفناً بالقماش كانت الغزوة التي قتل فيها بالديار الأردنية، ويبدو أن قتلى الغزو يدفنون بثيابهم التي قتلوا وهم يرتدونها. وفي هذه الأبيات وفاء وحزن عليه. ومثلما يحزن البدوي على أقاربه فإنه يحزن أيضا على مواشيه عندما تجوع أو تنفق أو تحمل أوزانا ثقيله والشاعرة حزنت على ناقتها «سمحة» التي آلمها الجوع لقلة المرعى فقالت الشاعرة: يا ونّتي ونّة كسير مجبّر والاّ عليل ما يذوق المعاشِ من شوفتي سمحة تحن وتضوّر حنينها ولّع لهيبٍ بجاشي يا الله من مزن حقوق تزبّر نوّه سديدٍ عاطيٍ المشاش ساعة تجهّت وابو بطحا تزفّر طم الوعر واسقى زروع عطاشِ جريه من صْفيّة إلى الخشم الاصفر ومزارع الفيضة بها السيل ماشي وصف دقيق لمشاعرها نحو ناقتها، وأمانيها بهطول المطر، وتحديد للمواقع التي ترتادها إبلهم «صفيّه» «الخشم الاصفر» «الفيضة» «ابو بطحا». وغضبت الشاعرة ذات يوم من فتى من أقاربها، وكتبت فيه شعرا أغضب أمه، فما كان من الشاعرة إلا أن تبادر لامتصاص غضبها وفق العادات والتقاليد بأن تذهب إليها مع بعض صديقاتها للاعتذار، وقالت تدعوهن لمرافقتها: نبي نسيّر على ام سعود نروح يمّه بجاهيّة جعلك تحجين يا ام سعود والله يسمّح لك النية ما قلت شي يغيض سعود مير انت اللي دناوية والمسيار والجاهية الزيارة الاعتذارية، وكلمة دناوية تعني الحساسية وسرعة الغضب والتأثر. والكتاب جميل بمحتواه المتنوع من تأريخ وأدب وحكايات وأحاديث سمر وتراجم لشخصيات صحراوية معروفة بالجود والفروسية والاقدام والمساهمة في تأسيس الوحدة الوطنية التي أرسى قواعدها الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-. يستحق المؤلف كل شكر وتقدير لهذه المرويات الجميلة التي تضيف لثقافة الصحراء أبعادا أخرى.