أخشى أن الولاء للأرض ذات المورد الغني والخصب قد بدأ يخف. الأرض التي تنعش الزراعة وتخضرّ كل موسم مثل الماشية الثمينة. المؤسف أن الكثيرين ممن يمتلكون الأراضي الزراعية الخصبة والغنية حوّلوا الأراضي إلى بيوت أو قصور. كاد أن ينتهي زمن الحفاظ على المساحات الخضراء أو المزراع التي تغني الأفواه الجائعة في هذه المنطقة أو تلك. استمعتُ إلى قصة من صديق عن أحد المسنّين الاستثنائيين في مدينة الباحة، حين رحلت عائلة من العائلات إلى جدة وتركت الأرض وأكل الصدأ الحراثة جاء هذا الشخص المزارع وحرث أرضهم، ثم حين جاء موسم الحصاد اتصل على أبناء تلك العائلة التي هاجرت وقال لهم: لقد زرعت أرضكم إذا أردتم أرسلوا من يحصدها أو أن أحصدها لكم، أرسلوا من يحصدها وحين أرادوا إعطاءه بعض ثمن الزرع غضب. في قصة أخرى عن نفس هذا المزارع أنه حرث أرض جار له أهمل أرضه، غضب الجار من أن تحرث أرضه من دون علمه، وحين عقد مجلس الحكم غُرّم المزارع المحتسب بخمسين ألف ريال، غير أنه لم يتب وحين جاء الموسم الثاني أعاد الكرة وحرث أرض جاره وحين رأى الجار "الغثيث" قال له: لن أدع أرضاً تموت، لنذهب إلى المجلس وأعطيك غرامة حرثي لأرضك. كلمته خالدة مفادها: لن أدع أرضاً تموت. هذا المزارع الأصيل وهو في العقد الثامن من عمره استطاع أن يكون نبراساً للقرية وأن يعتبرونه شيخها، حافظ على الأراضي، وحرث الأرض المهجورة أياً كانت، يحب أن تبقى الأرض مخضرّة ونضرة مهما كان الثمن الذي يدفعه باهظاً، ولم يأخذ ريالاً عن أرض حرثها ولم يأخذ نسبة من زرع كان ثمرة حرثه وبذره هو. نماذج كهذه هي من السمو والعلو ومن المؤسف أنها تكاد تنقرض، إذ صار كل شيء بثمن، وتنازع الإخوة على فتات المال، وسُرق مال الأيتام وأُخذ من الضعيف وأُعطي الغني بدلاً من أن يحدث العكس. بآخر السطر، وقبل أن ينقرض شعور الولاء للأرض علينا أن نحيي حب الأرض الخضراء عند الأبناء، وأن نوقف غزو الأسمنت للأراضي الزراعية، دون أن ننسى أن النبي عليه الصلاة والسلام قالها في الحديث: "إذا قامت الساعة، وفي يد أحدكم فسيلة، واستطاع ألا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها"!