أكد الشاعر والمفكر محمد العلي أن العرب قبل الإسلام كانوا يؤمنون بأن الإنسان مجبور على أفعاله، كون البيئة الصحراوية تعيش على المطر وتسلب الإنسان الخيارات وتضعه في خانة الانصياع للصدف، حتى جاء القرآن الكريم وألغى الجبرية بكثير من الآيات. ولفت العلي، في محاضرته التي ألقاها في ملتقى العمران الثقافي، البارحة الأولى، إلى أن إشكالية العقل البشري تتمثل في عدم قدرته على التخلص من اللامعقول، كونه راسخة في مخزونه الجمعي والمعرفي برغم أن العقل البشري تمثله وتمر به أفكار وتحولات معرفية، مرجعا هذه الإشكالية إلى كون الفكر الجمعي له أسبقية على الفكر الفردي، والأفكار القديمة غالبا ما تكون حاجبا وعائقا عن الوصول أو القناعة بالمعلومة الجديدة، كون التقليد يزرع في ذهن ونفس المقلد التسليم والخضوع والنفور من التجديد، ووصف العلي القرآن بالنص المقدس الأوحد الذي نؤمن بثبوته قطعيا، إلا أنه متعدد الدلالة، مشيرا إلى أن بلاغة القرآن قامت على المجاز قيامها على الحقيقة والمجاز جعل منه حمال أوجه، كما قال الإمام علي رضي الله عنه، وتناول العلي إشكالية إخضاع النص للواقع كما عند بعض المسلمين، وإخضاع الواقع للنص كما يحاول البعض مع إغفال خطورة ما يترتب على ذلك، كون البعض يسلم بأن النص المقدس ثابت وصالح لكل زمان ومكان فيما الواقع متغير ومتحول، مشيرا إلى أن التأويل حل لبعض الإشكال، كونه يذهب بالنص إلى أبعد من معناه الحرفي، مؤكدا أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدأ بالتأويل حين ألغى سهم المؤلفة قلوبهم، وتطلع العلي إلى تحقيق التأويل في الواقع من خلال الراسخين في العلم، كونه جزءا من الدين، مستعيدا مقولة ابن رشد «إن الله منحنا العقل فلا يمكن أن يرسل شريعة تتعارض معه»، واستعرض العلي مسيرة الفكر المعاصر من خلال الإمام محمد عبده الذي نهج نهجا تنويريا سبق به زمنه، وطه حسين الذي جلب معه منهج الشك الديكارتي، وصولا إلى محمد عابد الجابري الذي يرى أن التراث العربي لم يبق منه سوى الأيديولوجي، ومحمد أركون ونصر حامد أبو زيد وعلاقتهما بالتناص، وعزا دراستنا للتاريخ إلى أمرين أحدهما معرفة ما بذله القدماء من جهد ليمكن تجاوز ما وصلوا إليه وتجاوز أفكارنا القديمة، والآخر للتأكد هل نعيش في عصرنا أم ما زلنا في قبضة الماضي وتحت رحمته، حضر الأمسية لفيف من مثقفي المنطقة الشرقية وشهدت مداخلات عدة وقدمها الأديب محمد الشقاق.