لو سئل الناس أيهما يعتقدون أنه يحب أمته أكثر؛ من كل وقته يجمع أقوال من امتدحوها ولو بنص مقتطع خارج سياقه ويحاول تبرير أخطائها ويلوم عليها غيرها ويكابر من الأصل على الاعتراف بأنها أخطاء ويعتبرها فقط أخطاء عندما يقترفها الآخرون، أما عندما تقترفها أمته فهي مبررة وصالحة، ويفبرك نظريات مؤامرة لا عقلانية ليبرئها من كل تهمة، وينكر وجود أي مشكلة فيها ولو كانت مشاكلها كثقوب المنخل، ويشبع كل منتقد سبابا وتهما، هل هذا يحب أمته أكثر، أم من كل وقته مصروف لرصد النقص والخلل والخطأ في أمته ولفت الأنظار إليها؟ وليكون الحكم صحيحا يجب التبصر بمحركات الطرفين، فالطرف الأول محركه الحقيقي ليس حب أمته كما يعتقد حتى هو، وإلا لأراد جعلها أفضل بحق وهذا لا يكون بإطرائها، فالحقيقة أن غرور أناه «غرور نفسه» تماهى مع الأنا الجماعية متمثلة بمفهوم الأمة، ونمط غرور الأنا هو تكوين صورة مثالية طوباوية متخيلة عن الأنا تتضمن كل المثاليات والتصرف على أساس أنها الشخصية الحقيقية لصاحبها، وهكذا للحفاظ على غرور أناه الشخصي يشعر أن عليه الحفاظ على مثالية صورة الأنا الجماعية، ولو بإنكار الحقائق والتضخيم الفاحش للإيجابيات كمقارنة أفضل المثاليات النظرية ببطون كتب الأمة بأسوأ الخبرات الواقعية للأمم الأخرى، وإن كان الواقع الكلي للأمم الأخرى أفضل وكتبها مليئة بالمثاليات النظرية، بينما الذي لا يسعى لتملق رضى الناس بإطراء أناهم الجماعية وإشباع غرور أناهم الفردي المتماهي مع تلك الأنا الجماعية ولا يسمع الناس منه سوى الانتقاد. محركه الحقيقي أنه يريد جعل أمته أفضل بحق، فهو كالطبيب الذي دوره تشخيص العلل ليعالجها، ولا يريد استخدامها كغرض لإرضاء غرور أناه، فليس كل من يطريك صديقك.. وليس كل من يؤلمك عدوك.