رحل رجل سجله التاريخ كواحد من الشخصيات العظماء القلائل في هذا الزمن، ليس على المستوى العربي والإسلامي فحسب، بل على مستوى العالم أجمع، وضع لنفسه رؤية وأهدافا واضحة منذ توليه رحمه الله مقاليد الحكم، سعي لتنفيذها بكل عزيمة وإخلاص واجتهاد، فتحقق له ذلك على جميع الأصعدة المحلية والعالمية، اشتهر بين أوساط الجميع ببساطته وعفويته وحبه للخير، بذل كل ما يملك من وقت لتحقيق تطلعات مواطنيه للعيش برفاهية، فتحقق لهم ذلك فيما تم إنجازه في الميادين الصحية والتعليمية والخدمية، وهذه المحاور الثلاثة هي الأسس التي يقاس بها رفاهية المواطن أينما كان، فقد شهد القطاع الصحي تطورا وتوسعا في عدد المستشفيات والمراكز الصحية والمدن الطبية يوازي ما تم إنجازه بعشرات السنين، وسوف يبقى كبنية تحتية وتأسيس منظومة صحية تستفيد منها الأجيال، أما على مستوى التعليم فقد تحقق الكثير، ولكن يمكن إيجازه في التوسع بعدد الجامعات من 7 جامعات إلى 39 جامعة، إنشاء برنامج خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم، بالإضافة إلى برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، والذي استفاد منه أكثر من 200 ألف طالب وطالبة للدراسة حول العالم، هذه نماذج فقط من الكثير من إنجازاته رحمه الله والتي تركز في المقام الأول على رفاهية المواطن. رحل ملك القلوب الملك عبدالله رحمه الله وبقيت أعماله وإنجازاته تشهد له وسيبقى تاريخه ومسيرته تذكرها الأجيال تلو الأجيال، فله منا الدعاء بالمغفرة وأن يكون الفردوس الأعلى من الجنة نزلا له. لم تكن لتتحقق هذه الإنجازات العظيمة إلا بتكاتف الرجال المخلصين ممن يعملون معه رحمه الله فاختيار الأمير سلمان بن عبدالعزيز وليا لعهده، والأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا لولي عهده، لم تكن محض صدفة، بل بناء على التجانس والتفاهم والقناعات في الرؤى والتطلعات، فقد كانت مجموعة عقول تسير على نهج واحد. في يوم الخميس الماضي، نام الناس والملك عبدالله رحمه الله هو الملك، وما إن أصبح الناس إلا وانتقل الحكم إلى الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله لم يشعر أحد قط بهذا التغيير والانتقال في نظام محكم لا يوجد في أية دولة في العالم، هذه رسالتنا نوجهها للعالم قاطبة بأن المملكة العربية السعودية لديها نظام للحكم يجب أن يكون نموذجا يحتذى به في عالم السياسة وعالم الاستقرار والأمن للمجتمع الدولي كافة، هذا الانتقال السلس لم يكن وليد اليوم، بل منذ وفاة الملك فيصل ثم خالد ثم فهد ثم عبدالله رحمهم الله، وأخيرا الملك سلمان يحفظه الله، وهذه هي الآلية لانتقال الحكم لدينا، من غير أن يشعر أو يتأثر المواطن هي نعمة عظيمة تفتقدها الكثير من دول العالم. جاء الملك سلمان للحكم، وهو الذي مارس وتمرس فيه منذ نعومة أظفاره، فقد تولى حكم الرياض عندما كان عمره لا يتجاوز الثامنة عشرة، ومنذ ذلك الحين أنيطت به مهام جسام في مراحل مختلفة ومن ملوك مختلفين، فكان هو عميد الأسرة المالكة لمعالجة قضاياها التي من الطبيعي حدوثها في كل عائلة من فترة لأخرى. جاء الملك سلمان ليتولى مهمة جديدة قديمة، فبعد أن عمل لسنوات وليا للعهد بجوار رفيق دربه الملك عبدالله رحمه الله وكان عونا ومؤازرا له، جاء لتكملة المسيرة التي رسمت منذ تأسيس هذا الكيان على يد المغفور له الملك عبدالعزيز رحمه الله. جاء الملك سلمان في ظروف عصيبة، وتحديات داخلية وخارجية تحتاج إلى وقفة الجميع يد واحدة، جاء وأمامه هموم ليست للمملكة وحدها، فأولها تراجع أسعار البترول بحد ذاته يحتاج إلى سياسة محنكة تتعامل معه، وثانيها الملف الأمني الشائك لدول الجوار، فاليمن ممزقة تعصف بها رياح الفوضى، والعراق لا يزال غير مستقر، وسوريا وما أدراك ما سوريا، وإيران ومشاكلها، كل هذه الدول تربطها بالمملكة حدود، فاستقرارها استقرار للمملكة، وثالثها الوضع الاقتصادي العالمي الذي يؤثر على جميع دول العالم، ورابع التحديات ملف الإسكان. لكل مرحلة خاصة وقت الأزمات رجال، ولقد وفق الملك سلمان باختيار رفاق دربه ممن صقلتهم الحياة، فاختار صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا لعهده، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد، فهذا الاختيار الموفق سوف يساهم في التغلب على التحديات محليا وخارجيا، وهؤلاء لديهم خبرات وتجارب متراكمة وحياة مليئة بالإنجازات. حقا إنها رسالة نهديها للعالم أجمع في مدرسة السياسة وانتقال السلطة من قائد لقائد، بطريقة متميزة وتفاعل وحب وولاء من جميع أفراد الشعب وأفراد الأسرة المالكة الكريمة. ختاما، نحن نبايعكم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، ونسأل الله أن يسدد خطاكم ويوفقكم ويعينكم على حمل هذه الأمانة، ونحن دائما يد واحد معكم ولكم.