حفظ كانت سعادتي غامرة حينما تلقيت قبل أيام دعوة من جريدتنا الرائدة عكاظ لحضور حفل تكريم أحد رواد العمل الصحفي؛ ليس في المملكة فقط، بل وفي العالم العربي، ذلك الرائد هو (أبو الكتاب) في المملكة وشيخ الصحفيين السعوديين الأستاذ الكبير عبدالله خياط، أحد مؤسسي هذه الجريدة، وعضو مجلس إدارتها حاليا، ورئيس تحريرها سابقا، وأحد أغزر كتابها المنتظمين إنتاجا، وأكثرهم عطاء على مدار أكثر من نصف قرن، هذه القامة الصحفية السامقة بدأت مشوارها في بلاط صاحبة الجلالة منذ نحو 55 عاما، أي قبل أن يولد الكثير من زملاء الحرف الحاليين والعاملين في صناعة الإعلام والصحافة السعودية، وبذلك فقد عاصر شيخنا الكثير من المتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والفكرية في المملكة ووثق لها، سواء بشكل مهني عبر عمله الصحفي، أو بشكل فكري من خلال آلاف المقالات والكثير من الكتب والمؤلفات. ومما لا شك فيه، فإن حرص مؤسسة عكاظ ممثلة بمجلس إدارتها على تكريم رمزنا الصحفي الأستاذ عبدالله خياط مساء يوم الخميس المقبل هو إحياء لتقليد جميل يكاد يندثر في مجتمعنا بالنظر لمحدودية هذا النوع من المبادرات، وذلك على الرغم من كثرة الشخصيات السعودية الرائدة التي تستحق التكريم في مختلف المجالات، سواء من قبل الجهات الرسمية أو حتى من قبل القطاع الخاص، والمؤكد هو أن ثقافة التكريم إنما تعكس البعد القيمي في عمل المؤسسات؛ لأن تأثير القيم الجوهرية المؤسسية على قطاعات الأعمال والشخصيات الاعتبارية بشكل أشمل لا يختلف عن أثرها على الأفراد، فكلما ارتقت منظومة المؤسسة من القيم العليا أصبحت أكثر إنسانية وحرصا على حفز الإبداع، وتقدير المتميزين، وبالتالي تكون أجدر بتقدير عملائها، والعاملين بها، والمجتمعات التي تعمل فيها. والمؤكد هو أن تكريم المبرزين من الرواد في مجالات الفكر والعلوم والإعلام والفنون والآداب هو توجه من شأنه حفز الإبداع الوطني، وإذكاء التنافس بين المبدعين على كافة المستويات، فضلا عن كونه يتسق مع تقاليدنا العربية الأصيلة، وقبل ذلك يتواءم مع قيمنا الإسلامية، وأصالة بلادنا، وعمقها التاريخي والحضاري، ومكانتها المؤثرة عربيا وإسلاميا ودوليا، وهذا ما يجعلني أدعو اليوم إلى إعادة جائزة الدولة التقديرية المتوقفة منذ نحو 32 عاما بعد أن انطلقت في عام 1403ه واستمرت لمدة عامين فقط، وتم خلال دورتها الأولى تكريم عدد من روادنا الذين أسهموا في إثراء الساحة الثقافية الوطنية. وعلى ضوء ما تقدم، فإن مبادرة جريدة عكاظ لتكريم رائدنا الأستاذ عبدالله خياط تنطوي على قيمة سامية تعيد الاعتبار لمعانٍ جميلة في حياتنا وتشتمل على رد الجميل، وتقدير الإبداع، واحترام الريادة، فضلا عن كون المبادرة تشجع المجتمع المؤسسي على إحياء تقليد حضاري هو تكريم أصحاب الفكر التنويري من حملة القلم وصانعي الرأي العام، هذا فضلا عن أن تكريم (أبو زهير) هو في حقيقة الأمر تكريم للصحافة السعودية.