اختلفت الدبلوماسية عن سابقاتها بمراحل وإن لم يتغير اسمها، وأصبحت تقوم بأدوار أساسية وخطيرة جدا تحدد أحيانا مستقبل بعض الدول، فأصبحت مواضيع الاقتصاد والمال والإعلام هي المحرك الرئيس للدبلوماسية في أية دولة وأضحت الأوراق مكشوفة للجميع، فالاتصال المباشر من قبل بعض السفارات مع قطاعات الدولة وحضور المناسبات العامة والخاصة يحدث وبتكرار دون القنوات الدبلوماسية.. الدبلوماسية هي الواجهة الأولى للعلاقات مع الدول، هكذا أصبحت هاجسا جديدا للعمل الدبلوماسي ليتواكب مع المتغيرات والتحديات والتقلبات التي يشهدها العالم في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، حيث لم تعد الدبلوماسية المثالية السابقة ذات جدوى، ومن المتوقع أن يشهد العالم مزيدا من التحديات الكبيرة التي تحتاج إلى تعامل خاص وحاذق، لذا فمن الأهمية بمكان تعزيز وتكثيف دور الأجهزة الأمنية العاملة في السفارات في الخارج حتى تتمكن من تزويد أصحاب القرار بمعلومات صحيحة قبل اتخاذ أية قرارات مصيرية ربما تكون لها ردود فعل قوية. لقد أصبح العالم اليوم مع وسائل التقنية الحديثة والإعلام الجديد ذي التأثير القوي والذي يمكن أي دولة من معرفة تفاصيل ما يحدث في جميع الدول الأخرى دون أيّة حواجز أو شبابيك تمنعها أو تفصلها عن هذا الدور!. كما أن الشركات العالمية الكبرى أصبحت هي الأخرى تسير السياسة في بعض الدول وهذا يعد تحديا آخر للدبلوماسية ويتطلب مهارة مختلفة عن المهارات الدبلوماسية العادية للاطلاع ومعرفة تامة بأدق المستجدات في هذا المجال. والأخطر من كل ذلك هو كثرة المعلومات والأخبار المتناقلة عبر القنوات الفضائية والفيس بوك وتويتر والتي أصبحت تمثل تحديا كبيرا لتدقيقها ومعرفة الصحيح منها أو (المفبرك) لمقاصد مصلحة معينة قد تضلل الرأي العام مما يجعل إمكانية أن تتخذ معها ردود فعل على ضوء معلومات غير صحيحة أمرا حتميا وممكنا، لهذا لا بد من التأكد من أي معلومات يتم إشاعتها قبل اتخاذ قرارات مهمة يتحدد عليها شكل المستقبل فيما هي أساسا قد تكون مبنية على معلومات غير دقيقة!. ثمة نقاط يجب أن نعيها ونعمل على تأسيسها، أولها أن ندرك أن جذب رؤوس الأموال بهدف الاستثمار في الدول من المسائل الهامة التي تلعبها أغلب السفارات كدور المسوق لدولها ولتنميتها الاقتصادية، فضلا عن أهمية المطالبة بإعطاء فرص لشركات الدول في السوق وتسويق منتجات وصادرات الدولة كونها من المهام التي تقوم بها السفارات اليوم في عالم يستدير كالإعصار. هناك نقطة مهمة يجب التطرق إليها في هذا المجال وهي المواقع الإلكترونية لوزارات الخارجية حيث لم تعد تقتصر على العمل الدبلوماسي، بل أصبحت بمثابة الواجهة الأولى للدولة على ما تحتويه من معلومات دقيقة عن الدولة وعرض الفرص الاستثمارية وتسويق الصادرات وترويج المنتجات. إن علاقة السفارات بمواطنيها وغرس قيمة المواطنة وتعزيز الولاء للدولة وغرس الحب والانتماء للوطن من أهم الأدوار التي تقوم بها السفارات ودائما ما يقاس مستوى تعامل السفارات مع مواطنيها على تقدم أو تخلف الدولة. وهكذا يتضح لنا أن الدبلوماسية اليوم هي عبارة عن سفارة دولة لا يقتصر دورها على العمل الدبلوماسي النمطي فحسب، بل يتعدى ذلك إلى القيام بمسؤولية جميع المهام التي تقوم بها الوزارات الأخرى في دولهم من تعزيز للمواطنة وجذب رؤوس الأموال والاستثمارات وتعزيز مكانة شركات الدولة وجمع المعلومات بالإضافة إلى القيام بأدوار أساسية بالغة الأهمية في المنظمات الدولية في هذا العالم المضطرب..