معظم المخدرات المحظورة في الوقت الحالي كانت تستخدم لاغراض علاجية في فترات سابقة، ولولا أنها خرجت عن إطارها الطبي واسرف الناس في تعاطيها لما تغير الحال، ومن الأمثلة، الأفيون الذي استفاد منه ابن سينا في علاج الالتهابات الرئوية، والكوكايين واستعماله بداية الأمر في صناعة الادوية لمفعوله المؤثر على الجهاز العصبي المركزي، وكان الجنود في الحرب العالمية الثانية ياخذون الإمفيتامين لمواصلة العمل بدون تعب وهكذا، ويظهر ان انتقال كل الاشياء الى عوالم الإنترنت اصبحت موضة هذه الأيام، وكان ان اصدرت الصحافة السايرة نسختين الأولى ورقية والثانية الكترونية، وتحول الإعلام الى إعلامين تقليدي وجديد، وصارت الجوالات الذكية نافذة لحاملها على العالم، واخر الصيحات خروج ما يسمى بالمخدرات الرقمية، وانتشار مواقع الكترونية لبيعها وباسعار تتراوح ما بين ثلاثة دولارات الى مئة دولار، واللافت أنها تباع باسماء المخدرات التقليدية، وتعاير بطريقة تضمن احساسا مشابها للمخدر الحقيقي، وتستقبل زوارها بتحذيرات تفيد عدم مناسبتها للمصابين بأمراض عقلية او نفسية او من قلت اعمارهم عن 18 سنة، وأرباح هذه التجارة قد تصل الى مئات الالاف عن كل اسبوع، ما يعني ان جمهورها عريض ومستقبلها المالي واعد، وأول استخدام معروف لتقنية «النقر في الأذنين» وهو اسمها العلمي المتداول في الاوساط الطبية في النصف الأول من القرن التاسع عشر، تم لمعالجة حالات العجز الجنسي والشبق ولإنتاج هرمون السعادة، وبالتالي فالبدايات قريبة جدا من المخدرات التقليدية أو الكلاسيكية إن جاز الوصف. لكن المشكلة في هذا النوع من المخدرات ان تشخيصه غير ممكن، ورغم ما يتردد عن ادمان ووفيات نتيجة لتعاطيها وتحديدا في المملكة والإمارت ولبنان، فان الجهات الرسمية نفت الاخبار المتداولة واعتبرتها مجرد تخمينات لا تستند الى حقائق يمكن اثباتها، والسبب أنها لا تترك اثرا يقبل الاختبار والمعاينة، إلا ان الجهات المعنية وخصوصا في المملكة، لا زالت تدرس الظاهرة في محاولة لفهمها، وربما تجريمها في مرحلة لاحقة، والمخدرات الرقمية تؤثر في كهرباء وكيمياء الدماغ، وتعمل على ارسال ترددات تختلف درجتها ما بين الأذن اليمنى والأذن اليسرى، وتشبه في بعض الاحيان أصوات المكائن والمعدات الصناعية الثقيلة والمزعجة، وبحسب المهتمين تؤدي ذبذباتها الى الإدمان النفسي وليس الجسدي، وتأتي على شكل موجات من نوع «دلتا للتركيز» و «ثيتا للاسترخاء» و «ألفا للنوم بأحلام» و «بيتا للنوم بدون أحلام»، وهناك طقوس لمزاولتها، كأن يتمدد الشخص ويركب السماعات في اذنيه ويضع "»منشفة» على عينيه، ومن ثم يستمتع بالرحلة ويترك القيادة لهم، ورغم ما قيل لا توجد دراسة واحدة تهتم بالموضوع او تصفه بالخطير، ويجوز انهم ينتظرون كابوسا لتبدأ عجلة البحث في الدوران. القضية بأكملها تحركت أولا في منصات الاعلام الاجتماعي، وتبادل أهل الإنترنت خبرا مفاده انتقال سعودي الى جوار ربه، والسبب تعرضه لجرعة زائدة من المخدرات الرقمية قدرها 2 ميغابايت، والمجتمع الافتراضي في السعودية يفرح بالمصائب، لانها تفتح أمامه ابوابا واسعة لحوار أعور، وفيها خلفية وديكور مناسب لانتقاد الرسميين، ولا يستبعد ان تنتقد مستشفيات الأمل لتخاذلها، أو أن تتهم المؤسسات المختصة بمكافحة المخدرات لعدم اتخاذها اجراءات المنع الملائمة، أو ان تصدر مطالبات بإقالة الوكيل «س» أو المدير «صاد»، وحسرات على غياب ثقافة الاستقالة بين المسؤولين المقصرين في الدول العربية، ولو ان المطالبين كانوا من اصحاب الكراسي لتمسكوا بها وناضلوا من أجلها بالحديد والنار. ادمان الانترنت ثابت وبدون مخدرات رقمية، والفراغ بين الشباب الصغير كبير ومجالات التفريغ محدودة، وهم متطرفون في استخداماتهم لامكانات الشبكة العنكبوتية في مساحاتها المختلفة، ولدرجة ان السكوت والرؤوس المنحنية تحولت الى مشاهد مألوفة في كل جلسة عائلية، وكأنهم يعيشون في جزر معزولة، والاشياء السابقة قد تقود الى العزلة والاكتئاب والامراض النفسية وأحيانا التفكير في الانتحار، ونحتاج الى تشريعات تصاغ بمعرفة قانونيين واخصائيين في علم النفس والاجتماع وتطبيقات الانترنت، وذلك لضبط التعاطي مع الجوالات الذكية في الأماكن العامة والمدارس والجامعات وعلى مستوى الأسرة، قبل ان نسأل عن حقيقة وجود المخدرات الرقمية وخطورتها ..