لم تتأخر أسواق النفط كثيرا في التجاوب السريع مع قرار منظمة أوبك الأخير في نهاية الأسبوع الماضي بالإبقاء على سقف الإنتاج البالغ ثلاثين مليون برميل في اليوم، حيث تراجعت أسعار البترول بشدة وهبط خام برنت على مدى عدة أيام إلى مادون 70 دولارا للبرميل، وقد تبقى الأسعار دون ذلك للأشهر القريبة المقبلة، هذا التراجع الذي كان متوقعا عزز مخاوف البعض حول إمكانية تأثر ميزانية المملكة المقبلة، ما قد يعيق استمرار الإنفاق التوسعي الحكومي الملحوظ، الذي ميز الميزانيات السعودية في السنوات القليلة الماضية. ورغم تفهمي لدواعي انزعاج البعض من المتغيرات الدراماتيكية التي يشهدها سوق البترول منذ ما يقارب خمسة أشهر، إلا أنني أكاد أجزم أن مالية بلادنا تتميز بخصائص فريدة من نوعها، «سيتم التطرق إليها لاحقا»، ومن شأنها تحجيم الأثر السلبي لتراجع سعر النفط على مشاريع التنمية، واستكمال إقامة وتطوير البنى التحتية والفوقية في كافة أرجاء البلاد؛ ليس ذلك وحسب بل إنني على يقين بأن السياسة النفطية الحكيمة التي انتهجتها المملكة ودول الخليج الأعضاء في الأوبك من شأنها الحفاظ على مصالحنا العليا، حينما يتعلق الأمر بالبترول؛ إنتاجا وتسعيرا وتكريرا وتصنيعا، إن لم يكن في المستقبل القريب «من الآن وحتى منتصف عام 2015»، فسوف نلمس ذلك على المديين القصير والمتوسط من سنتين إلى خمس سنوات، وبالعودة للأسباب التي تجعلني على ثقة بأن مشاريع التنمية لن تتأثر كثيرا بتراجع أسعار البترول هو ما يلي : 1 - نجاح المملكة في بناء احتياطيات نقدية ضخمة تقدر بنحو ثلاثة آلاف مليون ريال، والمؤكد أن استقطاع نسبة طفيفة منها سنويا وعلى مدى السنوات الخمس المقبلة كفيل بسد العجز الذي قد يطرأ على الميزانيات المقبلة ويجعل من استمرار مشاريع التنمية أمرا ممكنا وغير خاضع لتقلبات السوق البترولية. 2 - على الرغم من تركز معظم استثمارات الفوائض المالية للحكومة في سندات الخزينة الأمريكية وبعائد محدود ربما لا يتجاوز 1 % ، إلا أن ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مؤخرا قد أدى إلى زيادة قيمة استثماراتنا المقومة بالدولار بنسبة تتراوح بين 10 إلى 15 % ؛ وهي نسبة أكثر من جيدة بالنظر لضخامة مقدار الفوائض المستثمرة. 3- من غير المرجح أن تشهد ميزانيتنا للعام المقبل 2015 عجزا كبيرا، وقد لا تشهد عجزا على الإطلاق نظرا لأن (متوسط) سعر بيع برميل النفط السعودي خلال العام الحالي لا يزال حتى الآن فوق نقطة التعادل التي بنيت عليها الميزانية والمقدر بحوالي 85 دولارا للبرميل. 4- إذا كان ثمة توقعات بعجز موازني فسوف يبدأ مع ميزانية عام 2016، وذلك في حال واصلت الأسعار تراجعها أو توقفت عند مستوى يتراوح بين 60 65 دولارا للبرميل؛ وهذا بطبيعة الحال سيتطلب تخفيض التقديرات السعرية لروافد الميزانية من دخل البترول، من جانب آخر، لا يمكن استبعاد حدوث متغيرات جيوسياسية أو نزاعات عسكرية قد تؤثر على السلم والأمن الدوليين أو تهدد تدفق وانسيابية تصدير البترول. متغيرات من هذا النوع ستكون ذات تأثير قوي قد يدفع بأسعار النفط مرة أخرى للارتفاع والبقاء عند مستوى 100 دولار. 5- وحتى في حالة عدم حدوث مستجدات قد تسهم في ارتفاع أسعار النفط مرة أخرى خلال السنتين المقبلتين على الأقل، فإن ثمة احتمالا بإقدام المملكة على إعادة النظر في سياسة دعم أسعار بعض السلع والخدمات التي دأبت على تقديمها للمواطنين، ويستفيد منها حاليا جميع فئات السكان بمن فيهم أصحاب الدخول المرتفعة والوافدون؛ لو حدث ذلك فسوف تنخفض قيمة فاتورة الدعم الحكومي وهو الأمر الذي سيوفر عوائد إضافية يمكن توجيهها لضمان استمرار مشاريع التنمية. ختاما، لا يساورني أدنى شك في قدرة سياستنا البترولية والمالية على التعامل مع الأوضاع الراهنة لسوق النفط لا سيما بعد الخبرة الطويلة التي اكتسبناها من عقد الثمانينات الميلادية، حيث يبدو جليا استفادة العديد من قراراتنا الاستراتيجية هذه الأيام من تجارب الأمس، وهو ما يعزز الاطمئنان بقدرة متخذي القرار المالي والنفطي على التعامل بحكمة وبعد نظر مع الموقف المضطرب لسوق البترول. * كاتب اقتصادي