يقدم 250 فعالية متنوعة.. «معرض جازان للكتاب» يستقبل الزوار غداً    وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالين من رئيس وزراء فلسطين ونائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الباكستاني    سيبراني وأرامكو الرقمية تعززان أمان الشبكة الصناعية 450    «كأنو روحي راحت معهم».. زوج أنجي مراد ينعي ابنهما «علي»    الهلاليون: كوليبالي كارثي    أمير الشرقية يكرّم المشاركين في مبادرة «خدمتكم فخر»    علامة HONOR تفتتح منصة الإعلان في LEAP 2025 مع إطلاق هاتف PORSCHE DESIGN HONOR Magic7 RSR    فجر السعيد: أعتذر للعراق وأعتزل النقد السياسي    لبنان تدين وترفض التصريحات الإسرائيلية ضد المملكة    والد عبدالله الزهراني في ذمة الله    «وول ستريت» تتراجع.. وتباين بمؤشرات أسهم آسيا    السعودية تتصدر دول ال20 في مؤشر الأمان ل 2023    الرئيس الإيراني يشكك في استعداد واشنطن للتفاوض    الجمعية الفيصلية الخيرية النسوية تعلن تأسيس الجمعية الأولى للتوحد بمنطقة مكة المكرمة    حسين عبد الغني يتوقع موقف الأهلي في دوري أبطال آسيا    تحت محور "سينما الهوية".. انطلاق الدورة الحادية عشرة من مهرجان أفلام السعودية أبريل المقبل    انخفاض الناتج الصناعي الهولندي لأدنى مستوى خلال 6 أشهر    مساعد وزير الداخلية : الوزارة انتقلت من الرقمية التقليدية إلى المعززة بالذكاء الاصطناعي    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء جمعية العمل التطوعي    سماحة المفتي ومعالي النائب يستقبلان مدير فرع عسير    الهيئة الملكية لمحافظة العلا تحتفي باليوم العالمي للنمر العربي    إسقاط مسيرات أوكرانية.. وهجوم روسي على كييف    رئيس الوزراء الصومالي يزور حي حراء الثقافي بمكة    «الإحصاء»: ارتفاع مؤشر «غير النفطية» 4 %    أم تقتل ابنها المعاق بعد تشخيصها بسرطان مميت    مستشفى دله النخيل بالرياض ينقذ مريضة من ورم في الرقبة ممتد للقفص الصدري    الصحة العالمية: الصرع لا يزال محاطًا بالوصمة الاجتماعية    رياح وأمطار خفيفة على بعض المناطق    عبدالعزيز بن سعد يواسي أُسر المايز والتميمي والجميلي في وفاة فقيدتهم    تسجيل 1383 حالة ضبط في المنافذ    العيسى يلتقي رئيس وزراء غينيا بيساو ويقف على برنامج جراحات العيون    الهلال الأحمر يعيد النبض لمعتمرة إندونيسية    موجز اقتصادي    رأوا تصريحات نتنياهو تعمية على فشله.. محللون سياسيون ل(البلاد): المملكة حائط صد وقلب الأمة.. وإسرائيل كيان فاقد للشرعية    سباق تدّمير العقول    السودان.. إعلان خارطة طريق لما بعد الحرب    الثأر العجائبي في حكاياتنا الشعبية..        غيبوبة على الطريق.. تنتهي بحفل تكريم «اليامي» !    استثمارات وابتكارات في معرض"ريستاتكس العقاري"    دورات لتعزيز مهارات منسوبي الحرس الملكي    وزارة الثقافة تشارك في مؤتمر «ليب 2025»    «الدارة» تصدر كتاباً حول القطع الفخارية المكتشفة بتيماء    الأوركسترا والكورال الوطني.. روعة الإبداع في شتى الصور    %75 نسبة تفوق الحرفيات على الذكور    إرث الصحراء    ضمك.. جبل ونادٍ    ولادة أول صغار المها بمحمية عروق بني معارض    ولي العهد يستقبل رئيس اللجنة الأولمبية الدولية    في الجولة ال(21) من دوري يلو.. قمة تجمع الحزم والطائي.. ونيوم والنجمة يواجهان العين والصفا    شعبان.. محطة إيمانية للاستعداد لرمضان    حسن التعامل    بختام الجولة ال 19 من دوري روشن.. الاتحاد يسترد الصدارة.. والنصر يقترب من الهلال    «المناورات» تجهّز الأهلي والنصر ل«قمة الإنماء»    تخريج الدورة التأهيلية للفرد الأساسي للمجندات الدفعة السابعة بمعهد التدريب النسوي    كيف يتكيف الدماغ بسرعة مع التغيير    ميكروبيوم معوي متنوع للنباتيين    الاتحاد السعودي لكرة القدم يقيم ورشة العمل الإعلامية الرابعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا خوف من المستقبل
نشر في عكاظ يوم 29 - 11 - 2014

يتزايد الشعور لدي بقدرة المملكة على تخطي المرحلة الراهنة بنجاح يفوق كل التقديرات الأخرى التي يتحدث عنها البعض.. أو يتوقعها البعض الآخر.. أو يعبر عنها البعض بصورة أقرب إلى التشاؤم سواء في داخل هذه البلاد أو من خارجها.
وعندما أقول في داخلها فإنني أقصد نوعين من الناس:
النوع الأول: يجهل حقيقة الأخطار والتحديات الضخمة التي مرت على بلادنا في فترات مختلفة من حياتها.. منذ مراحل التأسيس المبكرة وحتى يومنا هذا ومرورا بسيطرة الفكرة القومية في أوائل الخمسينيات وحتى السبعينيات.. وكذلك بحرب الخليج جراء عدوان صدام حسين على الكويت وما رافقها من تحالفات إقليمية خطيرة استهدفتنا بصورة مباشرة.. وآخرها هي مواجهتنا الشرسة مع منظمة القاعدة التي تشكلت في أعقاب حرب أفغانستان وعاد إلينا آلاف المحقونين بحقد الكراهية والضلال ليعيثوا في الأرض فسادا.. ويسعوا إلى العودة بنا إلى القرون الوسطى.. وهو ما تظهر بعض ملامحه الفكرية هذه الأيام ممثلة في تنظيمات داعش والنصرة والإخوان المسلمين ومن تطلق على نفسها منظمات الجهاد الإسلامي وما في حكمها.
الجهل بهذه الحقيقة.. وبانتصار المملكة في كل معاركها تلك.. هي التي تجعل هذه الفئة ترتجف أمام مشاهد القتل والتدمير والدعاوى الظلامية.. وتظن أن هذا «الأخطبوط» الجديد قد يتمكن منا هذه المرة.. لأسباب تخصهم.. وتدفعهم إلى التصرف بأشكال مختلفة تدل على عدم معرفة التاريخ.. وطبيعة هذه البلاد التي حماها الله من كل شر.. وسوف لن يتركها لمن يعبث بها.. أو يغير في منهجها.. أو يلوث ثقافتها أو يضعف قدرتها على النماء والتطور والاستقرار والاستمرار على حد سواء.. وبالتالي تصرفوا على نحو «مؤسف» سواء في المال.. أو العمل.. أو الأداء العام.. أو في الشعور بعدم الثقة بالنفس..
أما النوع الثاني: فهو النوع الذي ضعف ولاؤه للأرض.. أو للثقافة الأصيلة.. أو للتاريخ بالرغم من أنه يشاركنا في المصير.. وفي المغانم.. وفي المستقبل الذي تشكل فيه الأجيال المتعاقبة ركيزة هامة في البناء وفي التنمية التي أنفقت الدولة وما زالت تنفق عليها الكثير.. وبصورة غير موجودة في أي مكان من هذا العالم.
هذا النوع وإن كان وجوده بيننا كبيرا في جانبه الثقافي نتيجة اختلاف في المفاهيم وفي القدرة على التمييز بين الأصول والفروع.. إلا أن امتداداته الثقافية هذه مرشحة للتحلل إذا ما نجحنا في بناء استراتيجية عريضة وواسعة هدفها تغذية أجيالنا القادمة بقناعات معرفية جديدة اكتسبوها من الاحتكاك المباشر بدول وشعوب الأرض.. وأخذوا يرسمون لنا ملامح مستقبل نؤكد بأنه سيكون جميلا.. لأنه أحل «العلوم» البحتة والتطبيقية محل الأفكار الانهزامية.. وارتهن إلى التجربة واختبار الذات ومواجهة التحديات بوعي كاف وغير هلامي.
ولذلك فإن معركتنا الحقيقية الحالية أو القادمة تتمثل في هيمنة الفكر الجديد بكل ما ينطوي عليه من إصلاحات بنيوية في التفكير.. وفي العمل المتحرر من القيود والترسبات وفي صناعة المستقبل على أسس علمية صحيحة بعد أن تكون موجة الجهل قد انحسرت.. وحلت محلها موجات المعرفة.. والتفكير المنظم.. وإعادة صياغة الحياة على أسس أكثر تنظيما.. ومحاكاة للعصر.. وتخلصا من بعض مظاهر التخلف.. والفساد.. والغلبة لقوة المال على قوة البصيرة.. ومتانة الولاء للوطن والدولة وللمصير الذي ينتظر كل الأجيال القادمة.
وعندما قلت في البداية إنني واثق بأننا سوف نجتاز مخاض هذه المرحلة في السنوات القليلة القادمة وليس العكس كما يتوقع المتشائمون.. أو المرجفون.. والأعداء.. فإنني كنت أعني أن الفرصة الآن وليس بعد الآن تظل كبيرة لكي نوجه ضربة قاضية لكل من يستهدفون أمن وسلامة وتماسك هذه البلاد.. وذلك بتوفر العناصر التالية :
أولا: الوقوف خلف توجهات الدولة الجادة نحو الإصلاح الشامل في المجالات كافة وذلك لن يتأتى إلا إذا نظفت ضمائرنا.. وأعلينا مصلحة الوطن على مصالحنا.. ووضعنا كل قدراتنا وإمكاناتنا وممتلكاتنا تحت تصرفها.. من أجل بناء وطن قوي يشعر فيه الجميع بأن له مصالح حقيقية في الحفاظ عليه وتنميته وتعزيز مكانته في هذا العالم ..
ولا أعتقد أنني أحتاج إلى الإيضاح لهذه النقطة أكثر مما أشرت.. وأكثر مما أراه الآن من استجابة غير مسبوقة لسماع صوت الوطن.. وتفكير الكبير في الصغير والقادر في غير القادر.. والأكثر استحقاقا للتملك فيه وللفوز بفرص حياتية أفضل به.
ثانيا: أن نحدث تغييرا جذريا في مؤسسات الدولة والمجتمع على اختلافها غايته هو استثمار العقل البشري.. واستغلال طاقاته وتوجيهها نحو المستقبل وجهة صحيحة.. وذلك يتطلب «غربلة» الواقع الثقافي والفكري والاجتماعي.. وهو ما قامت به الدولة وتقوم وإن احتاجت في ذلك إلى دعم المجتمع.. وإلى محاكمة الإنسان لذاته.. باللجوء إلى بصيرته ووعيه ووطنيته.. لأن الدولة هي نحن.. وليس بإمكانها أن تغير في فكر المجتمع ومؤسساته إذا لم يكن المجتمع نفسه مستعدا للتغيير.. وللثقة بأن ما تقوم به هو في صالحه ومن أجل أبنائه.. ومستقبل أجياله.. ويمكن ترجمة هذا الدعم في الثقة (أولا) والقبول (ثانيا) والمشاركة (ثالثا) في تنفيذ كل قرار وكل خطوة تتخذها في الصالح العام وتريد من ورائها إعلاء مصلحة الوطن.. وتصويب كل الأخطاء المتوارثة.. وإحلال الأصلح محل الفاسد من الأمور..
ثالثا: أن يجعل رأس المال الوطني هدفه الأول والأخير هو زيادة ربحية الوطن.. وتعزيز دعائم استقراره وإن تطلب الأمر التضحية تلو التضحية.. ووظف رساميله في الداخل وأوقف نزيف استثماراته في الخارج وقبل بأقل الأرباح لتجاوز هذه المرحلة وحمل عن الدولة بعض همومها وتوسع في الأنشطة بما يضاعف قيمة الناتج المحلي في ميزانية الدولة ويسهم بفعالية أكبر في تحمل تبعات التنمية ومتطلباتها.. وفتح المزيد من المشاريع لاستيعاب أبناء الوطن القادمين من الخارج.. وتلقف مخرجات «25» جامعة في الداخل وتعهدهم بالتدريب وبوضع الخطط والبرامج لتوسيع دوائر العمل في مؤسسات العمل الصغيرة والمتوسطة.. واعتبر كل ذلك نواة للأرباح المتعاظمة التي ستحل عليه في المراحل القادمة من عمر هذا الوطن الممتد.
لو حدث هذا.. وتضامنت المؤسسات التربوية والدينية والاقتصادية والأمنية والثقافية بصورة أفضل وخرجت بمنظور علمي مشترك.. فإن شعور البعض بالقلق سوف يزول ويحل محله المزيد من الشعور بالطمأنينة والثقة بالمستقبل.
وفارق كبير بين أن تعيش وسط هالة من التفاؤل والاطمئنان.. وبين أن تعيش في قلب الخوف وعدم الثقة بالمستقبل وهو الشعور الذي لا مبرر له.. ولا مصلحة لبلادنا في تكثفه.. وعلينا أن نحوله إلى طاقة تغييرية حقيقية.. منتجة.. وبناءة.. ومثمرة..
***
أقول هذا الكلام بعد عودتي من مدينة «برزبن» الأسترالية التي عقدت فيها قمة العشرين التاسعة بحضور أكبر وأقوى دول العالم وأكثرها تطلعا إلى المستقبل الأفضل.
هذا التجمع المهيب.. لا تتخيلون كيف تعامل فيه العالم مع بلادنا.. وكيف تابعوا كل كلمة في خطابه باهتمام شديد.. وكيف اتفقوا أو اختلفوا معنا حول قضايا تمس سلامة هذا العالم وأهمية الابتعاد به عن الهزات العنيفة وتحسين فرص التنمية فيه كبديل أفضل عن الحروب.. والمؤامرات.. والأحقاد البشرية.
أقول.. إن النظرة التي أولاها زعماء وقادة العالم لبلادنا.. وتجاوبهم مع الكثير مما طرحناه.. واختلافهم كذلك مع بعض ما نراه ونعتقد به وذلك أمر طبيعي وحيوي ومفيد بكل المقاييس.. تلك النظرة بدت لي مغايرة تماما للروح الانهزامية لدى البعض سواء في الداخل أو في المنطقة والإقليم.. وذلك يرجع إلى سببين اثنين هما:
1) إن المملكة تشارك بإيجابية في صنع تقدم العالم حتى وإن قدمت المزيد من التضحيات من أجل إعمار الكون بدل هدمه.. وذلك بشهادة الكثيرين الذين عبروا للوفد السعودي عن ذلك عبر الجلسات أو في اللقاءات الجانبية أو من خلال خطاباتهم التحليلية للموقف الاقتصادي الراهن في العالم.
2) إن المجتمع الدولي يدرك أن مصالحه قوية معنا.. وإنه لا صغير أو كبير في هذا العالم إلا بالقدر الذي يسهم فيه هذا البلد أو ذاك في دفع عجلة التقدم والنماء في الاتجاه الصحيح.. ونحن كبلد لم نأل جهدا في العمل في هذا الاتجاه.. ليس من خلال السياسات البترولية المتوازنة فقط وإنما من خلال المساعدات التي شاركنا بها في الحد من ويلات الفقر والتخلف في العالم.. وكذلك في تعزيز خطط وبرامج التنمية لدول عديدة في الإقليم وفي خارج الإقليم.. فضلا عن تحملنا لكل الأعباء الدولية والوفاء بها قبل غيرنا ودون تأخر.
لكن السؤال الآن هو:
إذا كانت هذه هي صورة المملكة العربية السعودية في الخارج.. فما هي حقيقة صورتنا في الداخل.. سواء الداخل العربي أو الإقليمي أو المحلي على حد سواء؟
أسأل وأجيب.. بأن ما حققته المملكة على الصعيد الدولي ولمسناه من خلال مساهمتنا الفعالة في قمة العشرين وفي غيرها هو أكبر وأفضل بكثير من الصورة الذهنية لنا في الداخل.. فلماذا يحدث هذا؟
يحدث هذا لأن المنظومة العربية عانت في الفترات الماضية من شتى أنواع الفساد.. والاستغلال.. وسرقة جهود المملكة الكبيرة في دعم أوطانها ومساعدة شعوبها..
أقول هذا الكلام بكل مرارة.. لأن ما فعلناه.. وما قدمناه.. وما نقوم به يفوق كل ما قدمته دول أخرى من داخل وخارج المنطقة لهذه الأوطان وتلك الشعوب.. لكن ذلك لم يظهر.. بل ولم يعرف للأغلبية الساحقة منها.
وعلينا أن نعترف أننا سبب مباشر في ما حدث لنا ويحدث حتى اليوم والنماذج لذلك كثيرة على طول الوطن العربي القريبة منا دوله أو البعيدة عنا.. وذلك أيضا لسببين هما :
1) إننا لا نجيد التسويق لأنفسنا لدى الغير بفعل سياساتنا الإعلامية «الخجولة» والتي كانت ترى باستمرار أن الحديث عما قدمنا ونقدم قد يبدو وكأنه ينطوي على منٍّ.. نحن لا نقبله ولا نرضى به.. في وقت تتعمد فيه دول العالم الأخرى كبيرها ومتوسطها وصغيرها أن تتحدث عن كل دولار تقدمه للغير سواء في شكل مساعدات أو قروض.. بل وتربطه بشروط تعجيزية يصل بعضها إلى حد المساس بالسيادة الوطنية.. ومع ذلك فإن أحدا لم يلمها أو يعاتبها أو يتبرم منها بالرغم من أن بعض تلك المساعدات أو الاتفاقيات قد أخذت من الدول الأخرى أكثر مما أعطت.. حيث حصلت على قواعد عسكرية.. أو مزايا تجارية.. أو تسهيلات للاستثمارات الضخمة فيها تعود بمردود كبير عليها أكثر مما تعود على الدول التي مُنحت تلك المساعدات.
2) إننا لم نربط ولفترة طويلة مساعداتنا تلك بمشاريع وخطط وبرامج يلمسها المواطن في تلك الدول لمس العين.. بالرغم من أننا أقمنا الكثير من المدارس والجامعات والطرق والمستشفيات وساعدنا جميع المشاريع التنموية فيها.. وقدمنا الخبرة إلى جانب المال.. ولم نطلب حتى وضع اسم بلادنا على تلك المشاريع فلم تشعر بنا شعوبها ولم تعرف ذلك عنا.. بل إن بعض تلك المساعدات ذهبت إلى جيوب البعض منهم.. وحرموا شعوبهم منها.. فيما نحن نحاذر من الكلام أو التصريح.. ونتمسك بالصمت إزاء كل ذلك.. حتى إن بعض من غنموا الكثير منا تحول إلى متآمر علينا.. أو عميل للغير ضد بلادنا.. أو حاقد على اليد التي امتدت إليه ولم تحاسبه لمجرد أننا دولة تلتزم بحكمة الصمت ولا تجيد الكلام.. في عالم افتقد إلى الحد الأدنى من المثالية في التعامل.
***
هذا الفارق بين ما نسمعه ونلمسه عند الغير عن المملكة العربية السعودية.. وبين ما نجده.. ونصدم به من الأقربين منا.. أصبح من المحتم علينا أن نعالجه.. وأن لا نسمح باستمراره.. وأن نفعل كما يفعل الآخرون.. لأن برامج المساعدات تتم في العادة بين الدول وفقا لمبدأ تبادل المصالح.. وعلى الشعوب كل الشعوب أن تكون على معرفة تامة بكل خطوة تتم في هذا الاتجاه..
ونحن وإن كنا قد بدأنا نسير في هذا الاتجاه أخيرا.. إلا أننا نحتاج إلى اعتماد سياسة إعلامية «شفافة» تزن الأمور بميزان المصالح.. ولا تسمح بغير ذلك.
***
وما سمعته ولمسته في قمة العشرين المنعقدة في تلك المدينة الأسترالية الحالمة (برزبن) أسعدني كثيرا.. وطمأنني إلى أن العالم الذي يعرف قيمة هذا البلد.. هو العالم الذي يدرك أن جزءا كبيرا من أسباب سلامته واستقراره مرهون بأمن واستقرار وسلامة وطمأنينة هذه البلاد.. ولذلك فإنه اتفق معنا بل وجاء إلينا يطلب منا ماذا يمكنه أن يفعل لكي يحافظ على سلامته إن هو وقف معنا ضد الظلام بكل أشكاله وألوانه.. وليس فقط ضد تنظيم «داعش» الذي إن تركناه ولم نعمل على القضاء عليه فإننا نساعده على أن يعيش ويترعرع..
ولا أظن أن المجتمع الدولي لا يدرك مدى أهمية هذه البلاد في التصدي لخطره.. ولما قد يترتب على عدم الجدية في مقاومته.. ليس بقوة السلاح فقط وإنما بالمزيد من التماسك في الداخل.. وبالعمل الجاد على الاستثمار بكل أنواعه ومستوياته.. وأعظمها الاستثمار الصحيح في الإنسان.. وأقول الصحيح.. لأن الاستثمار غير الصحيح قد يؤدي بنا إلى ما هو أشد خطورة من داعش.
إن عضوية المملكة في مجموعة العشرين المعروفة بأنها الدول الأقوى اقتصادا في هذا العالم.. ومشاركتها بفعالية في صنع رخائه وتقدمه.. تعني الكثير بالنسبة لنا.. وتحديدا:
1) أننا دولة قوية ويجب أن تظل قوية.. ليس من الناحية الاقتصادية فحسب.. وإنما من النواحي الثقافية والسياسية والأمنية والاجتماعية.. وذلك يرتب علينا مسؤولية العمل بقوة على الصعيدين المحلي والخارجي.. وذلك وحده كافٍ لإدراك أهمية الإصلاح المستمر لكافة المؤسسات ولا سيما تلك التي تعاني خللا في المجتمع بكامله.. لكن عملية الإصلاح هذه معقدة لأنها تتشكل من مجموعة عوامل تملك فيها الدولة مسؤولية التخطيط الجيد والمبني على فهم صحيح للوضع العام وإرادة قوية على تغيير أوجه الخلل وتهيئة كافية لتحمل أعباء ونتائج قراراتها من قبل المجتمع بكامله.
وهنا أتوقف لأقول: إن المال وحده لا يكفي لمعالجة الاختلالات.. بمعنى أن القدرة الاقتصادية لدولة وإن كانت مهمة في تحقيق التنمية الشاملة.. إلا أنها تحتاج إلى كفاءة في التخطيط.. ودرجة عالية من التنبه لمواطن الخلل.. وقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة دون تردد، ومعالجة ردود الفعل الناشئة عنها بمنتهى الهدوء والحكمة وبتوازن كامل حتى لا نستغل من قبل الأعداء لهز الثقة بين الدولة والمواطن.
2) أن إعادة البناء في ظل المراجعة الواعية لمختلف الأوضاع تتطلب الوقوف على مصادر الخلل (أولاً) وذلك بوضع اليد على مفاتيح الحل.. وإعادة تصحيح الأمور باتخاذ قرارات صعبة ينبغي الإعداد المبكر لها جيدا مع من يمتلكون الحل ويقدرون على التضحية بجزء كبير وأساسي من مصالحهم بتفهم كافٍ لما سيترتب على عدم الإقدام على خطوة كهذه من أخطار على البلد، هم أول من يتضرر منها.. وآخر من يخسر بالتنازل عن جزء منها.. ما دام أن في ذلك سلامة الوطن.. ومصلحته.. ورضاء من يعيشون فيه ويتشاركون في كسب مغانمه.
وما يطمئننا إلى ذلك -حقا- هو أن الدولة مدركة لهذه الحقيقة.. وسائرة في نفس الاتجاه.. وإن صادفت الكثير من العناء في طريقها لأن المسألة ليست سهلة.. والتقبل لتوجه كهذا ليس أمراً هيناً وميسوراً.. وإن كان ضرورياً وحتمياً..
وما فعلته في هذا الاتجاه من استرداد ملايين الكيلو مترات من الأراضي (بهدوء) وتحويلها لمشاريع الإسكان الملحة وانتفاع ملايين المواطنين -في النهاية- منها لهو بداية جادة وحكيمة تحقيقا للتوازن المنشود داخل المجتمع.. نشكرها عليه ونشكر كل من تجاوبوا معها فيه وأثبتوا أن الوطن يهمهم وذلك عين الحكمة والعقل.
3) أن الدول لا تصنع التقدم ولا تحقق الرخاء لشعوبها بمفردها وإنما هي تعتمد في ذلك على مدى تفهم المواطن لما تريد وتفعل، وتجاوبه مع كل خطوة من شأنها أن تعود عليه بالخير.. وبالتالي فإن العمل معا يصبح ضرورة..
وما يحدث الآن هو.. أن بعض الأنظمة والقواعد تفتح الباب أمام الرشوة.. والتهريب والغش.. والعمولات غير المشروعة.. والدفع لغير المستحق بهدف إنجاز المعاملات.. أو نقل الموظفين.. أو إدخال خدمة من الخدمات إلى المنزل أو المدينة أو الحي أو المتجر.. أو إتمام الصفقات بأنواعها وأحجامها المختلفة عبر تسرب أموال طائلة من تحت الطاولة.. وغيرها وغيرها.. هي من العاهات الكبيرة التي لا يمكن لبلاد كبلادنا أن تسكت عنها ولا تعالجها.
لكن السؤال هو: مسؤولية من تلك؟!
والجواب هو: أن المسؤولية مشتركة.. وأن الأنظمة التي تفتح الباب أمام الفساد لابد من «حرقها» وإبدالها بأنظمة تشجع على نظافة اليد.. وأمانة الضمير.. وسلامة الإجراء.. وتلك مهمة الدولة ومؤسساتها وفي مقدمتها مجلس الشورى.. لكن تغيير هذه الأنظمة لا يكفي إذا استمرت ثقافة «ادهن السير يسير» متمكنة من عقولنا وخارج دائرة أخلاقنا وتربيتنا الإسلامية كمجتمع لمجرد أننا نريد الفوز بعقد.. أو الحصول على فائدة.. أو إنجاز أمر من الأمور بغير وجه حق.. كما يحدث في أكثر من مكان وموقع.. وهو ما يرقى إلى مستوى «الخيانة» للضمير.. وللوطن.. وللمسؤولية على حد سواء.
4) أن صناعة المستقبل لا تقوم على الأحلام والتطلعات والأماني.. ولا تقوم كذلك على المال.. أو على الاجتهادات..
ولو تابعنا قصة نمو دول كالهند.. وماليزيا.. وكوريا.. وسنغافورة.. وتركيا في الثلاثين أو العشرين سنة الأخيرة لأدركنا أنها وصلت إلى ما وصلت إليه بفضل التخطيط العلمي الشامل.. وفق معطيات كثيرة.. تبدأ برغبة حقيقية في تغيير ثقافة المجتمع بصورة جذرية ودون تردد.. وتنتهي بإقامة أنظمة واجبة الاحترام والتنفيذ من أكبر سلطة إلى أصغر مواطن.. وتمر بتجريف مظاهر الفساد واقتلاعها دون توقف.
ونحن وإن كانت لدينا الآن خطة تنمية عاشرة إلا أن ما تفتقر إليه عملية التخطيط لدينا أنها قامت على اجتهادات الوزارات وتأملات الخبراء كل على حدة وعلى تطلعات الدولة أيضا.. إلا أن آليات التنفيذ لهذه الخطط ظلت بأيدي الوزارات وحسب رؤية كل قطاع سواء كان حكوميا أو أهليا..
وبمعنى آخر.. فإن الرؤية الشاملة للوضع الاجتماعي والاقتصادي والأمني والثقافي والإنساني وحتى السياسي لابد أن تكون حاضرة في صناعة خطط تأخذ في الاعتبار بكل هذه الأبعاد مجتمعة.
ليس هذا فحسب.. بل تكون أدوات وآليات التنفيذ واضحة وملزمة وغير قابلة للاجتهادات أو الاستثناءات بأي حال من الأحوال.
وما حدث ويحدث هو: أن غياب الجهة المركزية القوية وصاحبة القرار ونافذة القول في ترجمة الخطة الشاملة ترك الباب مفتوحا للاجتهادات ولمصادر القوة هنا أو هناك وهكذا ظلت الخطط شيئا والواقع المعاش شيئا آخر يتفاوت بدرجة القوة والنفوذ والتأثير هنا وهناك.. وتلك مسألة لابد أن تُحسم ما دام أن هناك مصلحة حقيقية في أن نحافظ على بلدنا.. وأن نبقيه في المقدمة.. ولا نبتعد به عن المكانة التي استحقها وحصل عليها من العالم، وبقي علينا أن نكون في مستواها مستفيدين من وجود قائد يريد الخير.. كل الخير لبلده ولأمته ولشعبه على وجه الخصوص.
هذه الأمور وتلك العوامل بمقدورنا أن نحققها.. وبالتالي نضمن لبلادنا التي شرفها الله بمقدساته وأنعم عليها بملك وهبه الله كل مقومات القيادة وخصائص الرجال الأفذاذ وجعل محبته في قلوب الجميع.. وهي مزايا يصعب تحققها وتوفرها لبلد من البلدان في هذا العصر.
ونحن بإذن الله تعالى قادرون على استكمال ما يتطلب الاستكمال لكي نكون وطناً ودولة وشعباً في مستوى المكانة التي ارتقينا إليها.. ويجب علينا أن نحافظ عليها.. بالمزيد من التعاون بين الدولة والمواطن.. ونضع بذلك حداً لكل المخاوف والتحسبات التي تسيطر على بعض النفوس.. ونهنأ بوطن الخير الذي نحن فيه.. ومنه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.