تقبع في صدورنا جميعا أهداف وتطلعات نمخر عباب الأيام لتحقيقها وفق مسارات عمل نراها هي الأنسب، وخطط نبلورها ظانين أنها هي السبيل للنجاح وبلوغ الأمنيات، فتتوالى علينا الأيام وتمضي السنوات كحبات سبحة تتساقط من بين الأنامل، أوقات ترحل وتعانق المغيب بنجاحاتها وإخفاقاتها، وأخرى تهل بآمالها وأحلامها، والحقيقة المؤلمة أن البعض ينصدم بتآكل طموحاته وما بلغ معشار ما تمناه، وأن الأهداف التي رسمها على الورق انقضت عليها الأيام والأوقات وبقت حبيسة السطور ولم تر النور.. ولعلني هنا أتحدث عن ما ينبغي علينا فعله تجاه ذلك حتى نستطيع أن نشق طريقنا مرتقين عتبات سلم النجاح، وإحداث التغيير المنشود في حياتنا. حري بنا بين كل فترة وأخرى أن نأخذ استراحة محارب في معارك التطوير والفكر والعلم والثقافة والتقدم، ونقف فيها وقفة مكاشفة ومصارحة مع أنفسنا لنتحسس أخطاءنا وتقصيرنا ونقائصنا بعيدين عن كل التبريرات والمكابرات والأعذار ومجاملة الذوات ولو كان فيها غصة ومرارة، لنبحث في علاقاتنا مع مجتمعنا، مع أهلنا، مع إخواننا، مع زملائنا ، مع أعمالنا، ولنبحث عن نقاوة قلوبنا ومشاعرنا، ونقاوة أفكارنا وتصرفاتنا، ونزاهة كلماتنا وصدقها، وعلاقتنا بوطننا ودورنا في الحفاظ على عافيته ودعائم نهضته، وذلك في محاولة لرفع بعض ستائر الفشل والإخفاق التي قد نكون وقعنا فيها، وحتى لا ننساق وراء الأيام من دون دواسة وقود نظل نركض ونتعثر ثم نفيق في الأخير وما حققنا شيئا. من البديهي والمعقول أن يحط المسافر رحاله بعد كل مرحلة يجتازها من الطريق، ويقف ليستريح حتى ولو حس بمتعة السفر، وجمال الطريق، فيلتفت وراءه؛ ليرى كم قطع وينظر أمامه ليعرف كم بقي، والتاجر كذلك له وقت معلوم فيه يجرد حساباته ليقف على أرباحه وخسائره، خططه ومشاريعه المستقبلية، والمزارع هو الآخر يحسب حصاده بعد اكتمال الموسم الزراعي ليعلم ماذا جنى من زرعه، وكده وتعبه، والطالب أيضا يقف على درجاته في نهاية عامه الدراسي ويتأمل فرحا بشهادته التي اجتهد من أجلها، وكذلك هو بالنسبة لنا جميعا لابد أن يكون وقت من العام معلوم يكون بداية محطة جديدة لنا، ينبغي أن نقف فيها وقفة محاسبة وتأمل ونحن نسير على طريق الحياة، لننظر إلى الوراء، ولكن من غير أن نسرف في الندم وتأنيب الضمير والشعور بالذنب والإحباط، فقط لنتمعن في أخطائنا، وهفواتنا، وماضينا، ونستفيد منها فما طريق النجاح سوى إصلاح الخلل، ونستقرئ إنجازاتنا، وإخفاقاتنا، والخلل الذي وقعنا فيه، وما الذي ربحناه وما الذي خسرنا، وهل تحققت أهدافنا التي رسمناها خلال الفترة الماضية أم أنها كانت مجرد آمال غير واقعية، وأحلام زائفة ذابت وتبخرت، لنكتشف نهاية المطاف أننا كنا نلهث وراء أوهام بعيدة عن الواقع أو سراب لا يمكن تحقيقها. يقول دنس براون «إن الفرق الوحيد بين يوم جيد ويوم سيء هو موقفك تجاهه وتصرفك وسلوكك». فكل ما قيل يعتمد على التخطيط وهو المسار لبلوغ الأهداف المحددة فكل نجاحاتك تعتمد على وضوح الرؤية لديك ووضوح الأهداف، فكلما زادت الضبابية زادت تعقيدات تحقيق النجاح وظهرت بوادر الفشل أو الإعاقة في الوصول. فالنجاح مرهون بوضوح الأهداف وقدرة الفرد على الاستشراف المستقبلي. وللأسف البعض منا ليس لهم محطات يقفون عندها وليس لهم رؤية وتغيب عنهم الأهداف وتفكيرهم محدود ولحظي مما يجعل معنى حياتهم غير مشوقة ونجاحاتهم مرهونة بالحظ والصدفة والمفاجآت ترفرف حولهم في كل حين، بل تهبط عليهم. السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي ينبغي علينا عمله وعلى ماذا نركز وكيف نجعل التخطيط أسلوبا حياتيا وسلوكا دائما وكيف نجعل الوقت والأيام ليست مجرد تقويم، فمن المهم أن نشعر فيه أن حياتنا قد تغيرت إلى الأفضل، في معاملاتنا، وأفكارنا وخبراتنا وأهدافنا وخططنا وعلاقاتنا ومشاعرنا، ولن يتحقق ذلك إلا إذا توفرت لدينا النية الصادقة والإخلاص مع قوة الإرادة والإصرار والإتقان، مستفيدين من الماضي نحث الخطى برؤية إيجابية جديدة، وفق خطة عملية واقعية تتضمن نموذجا لعلاقتنا مع خالقنا وأنفسنا وعملنا والمجتمع من حولنا. ولم أر في عيوب الناس عيبا كعجز القادرين على التمام في كل عام يجب أن تكون لنا أهداف واضحة وفي كل شهر يمضي من العام يجب أن تكون فيه مؤشرات لقياس تحقيقها والتي تمكننا من تعديل أي انحراف يطرأ على تلك الأهداف لتصحيحها وتقويمها. ختاما، أدعو الله عز وجل أن يكتب لنا التوفيق والسداد في أعمالنا كافة، وأن يجعل قادم أيامنا مباركة سعيدة حافلة بالجد والنشاط، ومكللة بالعطاءات والإنجازات ودمتم على درب النجاح سائرين سالمين