تخيل أن زوج ابنتك أو أختك قد طرأ عليه في دينه خلل، وأصبح موضع شك وريبة من حيث عقيدته وأغلق الله على قلبه ولعب به الشيطان مع أن هذه الزوجة المسكينة أنجبت منه طفلا أو اثنين وتحبه، وربما يكون بينهما قرابة، وقطعا وبمفهومنا الحالي أننا سنقف منه موقفا آخر وستتبدل معاملتنا له، بل إن البعض ممن سألته عن موقفه في مثل هذه الحالة قال: سأقتله، بل سيوبخ ويهدد وسترتفع حدة العنف إلى درجة تجييش الأقرباء للنيل منه في كل مكان للانتقام منه. نعم، الكثير يتجه صوب هذا العنف والتعنيف مع القضايا المشابهة، بل ويجري معها إراقة الدماء جهلا بمعرفة نهج الإسلام الصحيح وتوجهه القويم واللطف بالمعاملة، وتبين للآخرين الحق من الباطل، قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}. سأترك لكم اختيار الموقف الجميل في مثل هذه المواقف مع من نؤمن به نبيا ورسولا ونعتز به أفضل خلق الله صلى الله عليه وسلم ولنقرأ قصته مع زوج ابنته أبو العاص بن الربيع، حيث إننا بعد قراءتنا لها سندرك بأننا نجهل الإسلام بشكله الصحيح، الذي نقرأه ولا نطبقه في حياتنا ودون أن نأخذ فوائد أفعاله وأقواله كعبر ودروس. تقول القصة: ذهب أبو العاص إلى النبي عليه السلام قبل البعثة، وقال له: أريد أن أتزوج زينب ابنتك، فدخل على زينب وقال: ابن خالتك جاءني وقد ذكر اسمك فهل ترضينه زوجا لك؟ فأحمر وجهها وابتسمت. وتزوجت زينب أبا العاص، حيث بعث النبي، بينما كان أبو العاص مسافرا وحين عاد وجد زوجته أسلمت. ظل أبو العاص على كفره، ثم جاءت الهجرة، فذهبت زينب إلى النبي وقالت: يا رسول الله أتأذن لي أن أبقى مع زوجي، فقال النبي: أبقي مع زوجك وأولادك. وظلت بمكة إلى أن حدثت غزوة بدر، وقرر أبو العاص أن يخرج للحرب في صفوف قريش، وتنتهي المعركة، فيؤسر أبو العاص، وتذهب أخباره إلى مكة. فخلعت زينب عقد أمها الذي كانت تزين به صدرها، وأرسلت العقد مع شقيق أبي العاص إلى الرسول وكان جالسا يتلقى الفدية ويطلق الأسرى، وحين رأى عقد السيدة خديجة، سأل: هذا فداء من؟ قالوا: هذا فداء أبي العاص، فبكى النبي وقال: هذا عقد خديجة، ثم نهض وقال: أيها الناس إن هذا الرجل ضممناه صهرا فهلا فككت أسره؟ وهلا قبلتم أن تردوا إليها عقدها؟ فقالوا: نعم يا رسول الله. فأعطاه النبي العقد، ثم قال له: يا أبا العاص إن الله أمرني أن أفرق بين مسلمة وكافر، فهلا رددت لي ابنتي؟ فقال: نعم. وبعد 6 سنوات كان أبو العاص قد خرج بقافلة من مكة إلى الشام، وأثناء سيره يلتقي مجموعة من الصحابة، فسأل على بيت زينب، وطرق بابها قبيل أذان الفجر، فسألته حين رأته: أجئت مسلما؟ فقال: بل جئت هاربا، فقالت: فهل لك إلي أن تسلم؟ فقال: لا، قالت: فلا تخف، وبعد أن أم النبي بالمسلمين صلاة الفجر، فإذا بصوت يأتي من آخر المسجد: قد أجرت أبا العاص، إذ قالت زينب: يا رسول الله إن أبا العاص إن بعد فابن الخالة وإن قرب فأبو الولد وقد أجرته يا رسول الله، فقال النبي: قد أجرنا من أجرت يا زينب، ثم ذهب إليها عند بيتها وقال لها: يا زينب أكرمي مثواه، ولكن لا يقربنك لا يحل لك، فقالت: نعم يا رسول الله. أعاد المال لأهل مكة وقال لهم: وفيت أحسن الوفاء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وتوجه إلى النبي عليه السلام وقال : يا رسول الله هل تأذن لي أن أراجع زينب، وأخذه عليه السلام ووقف على بيت زينب وقال: إن ابن خالتك جاء اليوم يستأذنني أن يراجعك فهل تقبلين؟ فأحمر وجهها. فهل لنا أن نعتبر؟