مع تقديري لجميع الجهود المبذولة تجاه توطين الوظائف في المملكة العربية السعودية وهو حق لها وواجب على القطاع الخاص تبني هذه الجهود. إلا أن التوطين بمفهومه الواسع لا ينحصر في توطين الوظائف فقط ولكنه يتعدى إلى أبعد من ذلك إلى توطين الأعمال ومشاريع الخدمات ومشاريع المشتريات الحكومية والتعاقدات الاستشارية والاستعانة بالخبراء والمستشارين. والتوطين مطلب وطني يستهدف مصلحة الوطن وشعبه ولا أعتقد أن هناك مواطنا أو مسؤولا مخلصا أمينا لوطنه يرفض التوطين بمفهومه الواسع إذا كان الهدف منه مصلحة الوطن. وكم سبق أن دافعنا وطالبنا وحاربنا من أجل توطين المشتريات الحكومية من خلال تفضيل المنتجات الوطنية في عقود المشتريات الحكومية حتى صدرت الأوامر السامية المنظمة ثم استجابت الجهات المعنية بالمشاريع لتنفيذ القرار السامي الملزم بتأمين احتياجات الأجهزة والمشاريع الحكومية من المنتجات السعودية ذات الجودة والملتزمة بالمواصفات السعودية حتى لو كانت أغلى سعرا من المستورد بنسبة لا تتجاوز 20% وكان لذلك القرار الدعم الاكبر للصناعات السعودية وساهم في نموها وتطورها ثم طالب المقاولون السعوديون بسعودة مشاريع المقاولات الحكومية وتم لهم بعض ذلك بعد عناء كبير وبشروط تعجيزية للحصول على شهادات التصنيف وهي التي لم تستطع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحصول عليها مما أدى إلى احتكار مشاريع المقاولات الكبيرة للدولة من قبل شركات معدودة ومعروفة ومتكررة ومع توطين الوظائف واجهت شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة معضلة أخرى في توفير الكفاءات السعودية كعمالة تنفيذية أو استقطاب المهندسين السعوديين المختصين في العمل الميداني. إن قضية التوطين بمفهومها العام ينبغي أن تطبق على القطاع العام قبل القطاع الخاص ومع غياب الشفافية والمعلومات الدقيقة يظل الكاتب يبحث عن الحقائق ويستند إلى معلومات قد تكون غير دقيقة أحيانا وهذا ما يدفعني للمطالبة بالشفافية عن طريق الإعلان الرسمي عن حجم المشاريع الحكومية التي تنفذها شركات أجنبية، وهنا أتساءل هل كان بالإمكان توطين هذه المشاريع عن طريق تنفيذها من خلال مقاولين سعوديين أو شركات سعودية، كما أنني أتساءل هل كان بالإمكان توطين مشاريع التدريب التي رسيت من قبل المؤسسة العامة للتدريب المهني على شركات أجنبية لإدارة وتشغيل التقنيات مستعينة بالكفاءات السعودية الموجودة فيها مقابل عقود تجاوزت البلايين من الريالات !، ألم يكن من الأجدى توطين هذه المشاريع ؟، والاستفادة من الخبراء في الجامعات السعودية حتى ولو بتدريبهم لأن يصبحوا قادرين على إدارة وتشغيل هذه الكليات ؟ كما أن هناك بعضا من الوزارات تستعين بشركات استشارية إدارية أو مالية أو تنظيمية في تنظيم وزاراتهم أو بعض مشاريع وزاراتهم مقابل عقود تتجاوز مئات الملايين، أليس من الأولى أن توطن هذه المشاريع ؟، أو لازالت لدينا عقدة الشركات الأجنبية واللغة الأجنبية. إن توطين الوظائف هو جزء من مشروع وطني كبير نطالب به ومنه توطين المشاريع الاستشارية والخدمية ومشاريع البناء والتشييد وغيرها. وإن كنت لا أملك معلومات دقيقة عن حجم وقيمة هذه المشاريع إلا أنني أتوقع بأنها تتجاوز البلايين وأخشى ما أخشاه أن يكون الدافع هو عدم الثقة في الكفاءات السعودية وقدرات الشركات والمؤسسات السعودية رغم أن معظم القيادات في بلادنا قد بني أساسها من التعليم العام والجامعي في المملكة، ومعظم المتميزين على كراسي المسؤولية هم من خريجي الجامعات السعودية حتى ولو في مرحلة من مراحل دراستهم، ولهذا فإنني أطالب بأن لا يكون التوجه فقط لتوطين الوظائف وأن يكون هناك شفافية من كل وزارة أو مؤسسة حكومية أن تعلن عن حجم وقيمة مشاريعها المنفذة من قبل شركات أجنبية أو خبراء أجانب. وأأمل أن لا يفهم من توجهي نحو التوطين في مفهومه الواسع بأنني ضد الاستعانة بالخبرات والكفاءات الأجنبية أو بشركات التقنية الأجنبية. وإن ما أطالب به هو إعطاء الفرص المماثلة للبدائل الوطنية المتاحة ومن نفس منطلق عوائد توطين الوظائف الاقتصادي فإن عوائد توطين المشاريع الاقتصادية سيكون مردودها على الوطن وعلى نمو الاقتصاد وعلى رفع مستوى المعيشة أكبر. وإذا كانت الاستعانة بالتقنية وبالكفاءات الأجنبية ضرورة فإن الرديف معها عند التنفيذ ينبغي أن يكون من الكفاءات الوطنية أفرادا كانوا أو مؤسسات أو شركات وطنية لتستفيد من الخبرة ولتؤهل مستقبلا للقيام بالعمل في المشاريع القادمة. فهل سيتجرأ المسؤولون بالإعلان عن حجم وقمية المشاريع المنفذة من قبل شركات أو استشاريين غير سعوديين؟.