يعد عبدالله عثمان القصبي.. أحد الرجال الذين عاصروا البدايات الأولى للمملكة العربية السعودية، شخصية متعددة الجوانب؛ رجل تاريخ ودولة، رجل أعمال واقتصاد، رجل أدب وصحافة. صنع عبدالله القصبي بصمة على خارطة الوطن، بوطنية وعصامية وأفق واسع، وحب وتفان وإخلاص، واحترام للمسؤولية وقدرة على الابتكار، برؤية استشرافية مستقبلية، عبرت عن فكر جيله وما بعده من أجيال، فسجل له مكانة في تاريخ الأدب والفكر والصحافة في المملكة العربية السعودية. وعبدالله القصبي، من جيل النجديين (أهالي سدير والوشم والزلفي والقصيم) الذين قطنوا جنوبالعراق في فترات مختلفة من القرن الماضي، فولد ذلك الجيل في العراق بعد هجرة الآباء إليها، حيث يقول القصبي عن نشأته: «ولدت في مدينة الزبير بالعراق، وسجلت في الرياض عام 1922م، ودرست في ثانوية البصرة، وتخرجت من آداب القاهرة، ثم حصلت على الماجستير في الصحافة قسم اللغة الإنجليزية عام 1957م». وكان الفقيد القصبي عاد إلى المملكة في عهد الملك عبدالعزيز، وشارك في تأسيس وزارة المواصلات، وعمل مع أول وزير لها؛ الأمير طلال بن عبدالعزيز، ثم مع الأمير سلطان بن عبدالعزيز، يرحمه الله. بدأ عطاءه بداية من وضعه الهيكل الإداري الأول لوزارة المواصلات في المملكة عام 1963م، ثم رئيسا لقسم السكك الحديدية في وزارة المواصلات، بعدها مديرا عام لمصلحة الطرق، ثم رئيسا لبلدية جدة، ليترك العمل «الحكومي» إلى «الخاص» مديرا عاما لمؤسسة عبدالله هاشم، ثم مديرا عاما لمؤسسة المدينة للصحافة والنشر، متجها بعدها إلى التجارة ليؤسس بعدها «مؤسسة كرا للمقاولات». ولئن كانت الصحافة قد استأثرت بالنصيب الأوفر من اهتمام القصبي، فإن له اسهامات في مجالات المواصلات والعمارة والمقاولات، غير أن «الصحافة» تظل الأكثر بروزا في حياته، حتى إنه يؤكد على الدوام أن «زحمة العمل لم تنسني الأدب والصحافة». وبذلك يعد القصبي من جيل الرواد في العمل الصحافي، يقول عن ذلك: «يشرفني الانتساب للصحافة، لقد هويتها طفلا، ودرستها شابا، ثم تدرجت حتى أصبحت مديرا عاما لمؤسسة المدينة للصحافة والنشر، كما كنت رئيسا للجنة الإشراف على التحرير، ومارست الصحافة التي هويتها وأعشق أجواءها، وتنعشي رائحة حبر المطابع مثلما تنعش الآخرين روائح الطيب»، وقال ذات مرة «القلم هو أرفع وسائل الإنسان، وأعلاها مجدا، فهو الوسيلة الأولى لتدوين نتائج فكره ومشاعره، نتاج فكره من علوم وأحداث، أو نتاج مشاعره من فنون وآداب». ومع أن الكثيرين يعتبرون أن القصبي أحد أدباء المملكة الكبار، إلا أنه ينفي عن نفسه مسمى «أديب» قائلا: «لست أديبا، ولكني أعشق كثيرا من ألوان الأدب، وأتذوق الشعر، ولم أحاول نظمه، وأستمتع بالشعر الغنائي، ولم يلهني العمل التجاري عن مطالعاتي فيما أهوى، ولو شغل كثيرا من وقتي، فالمطالعة غذاء الفكر والمشاعر، والعمل أداء للجسم معهما، فبينهما تكامل أيضا».