يحتل «القلم» بوصفه أداة للتدوين والتسجيل مكانًا مرموقًا في مسيرة الإنسانية، فعبر هذا القلم تواصلت الأجيال منذ قديم الأزمان عبر فعليّ التدوين والقراءة، وصار القلم رمزًا دالًا على الرؤية، والفكرة، والإبداع، يُنظر عطاؤه في كراسة الخلود بقدر ما يُحسن الكاتب طرح ما عنده، وتسطير منجزه في سجل العطاء، ليبقى ما يكتبه سطورًا عصية على البلى، ومقاومة لصدأ النسيان، ويستطيع القارئ من ثمّ التعرّف عليه وفقًا لإجادته، ليؤكد هذا الفعل المتواصل بين القلم وصاحبه، والقارئ وقدرة استيعابه أن «أبهت حبر في كل قلم أقوى من أي ذاكرة».. وتتقاطع الحدوس والاحتمالات في مخرجات القلم، بأقصى احتمالات التوقع ما بين المعاني المتضادة، فهو إن أسعد وأفرح فإنه يمتلك في جوفه كل أسباب الحزن والأسى، وإن سرّب الطمأنينة والهدوء، ففي مكنته أيضًا أن يستبطن الهلع والخوف، وهو في سياق تدوينه يبسط السلام، ويشعل الحرب، وعلى ذلك قس مما يستطيع القلم أن يحدثه من أمور متنافرة، غير متجاهلين في ذلك جودة المكتوب، وحُسن قراءة المتلقّي.. وفعل الكتابة في تراكمه يمكّن المتابع من رسم صورة واضحة المعالم لطريقة تفكير صاحبه، فإن كان «المرء مخبوء تحت لسانه»، فالكاتب -على هذا القياس- مخبوء تحت قلمه، فإن ترك منجزه مبثوثًا في غير مكان، فإن أمر الاهتداء إليه يستوجب طاقة من البحث، وسعيًا نحو الاستقصاء؛ أما إن رفع عن متابعيه مشقة البحث وعنت الاستقصاء وقدّم لهم حروفه المكتوبة في مساحة واحدة، فإنه بذلك يقدّم فرصة جديرة بحفاوة الباحثين، وهذا الذي قام به الكاتب الصحافي الأستاذ عبدالله القصبي في كتابه «رحلة قلم».. فمن يقلّب صفحات هذا الكتاب، ويجيل النظر في محتواه، سيدرك أنها رحلة أقلّ ما تُوصف به أن صاحبها مشى بغير «حذر» في بيدر مليء بالألغام بخطى آمنت بضرورة السّعي، والجهر بما يؤمن، ليدفع ثمن ذلك «إقصاءً» من ساحة الصحافة التي أحبّها، و “إسكاتًا” لقلم يسقم بالصمت، ويتأذّى بالحجر والتضييق، وهو الباحث عن البوح في فضاء الحرية غير المحتمل لأي سقف -نظريًّا- ما دام «الالتزام» منضبطًا في سياق الثوابت والمرعيات. غير أن مساحة الثوابت نفسها وحدود المرعيات بعينها تصنع «سقوفها» بتفاوت التفسير والنظر، بتأطير يأخذ في الاعتبار سياق التقدير عند قراءة واقع أي مجتمع من المجتمعات ينشئ فيه القلم وينمو، عند هذه النقطة حتمًا يتقاطع «النظري» المنفتح بأجنحته الطوّافة مع «العملي» المتحرّك بمفاصل التقدير والنظر. فالقارئ ل “فاتحة” كتاب القصبي سيقف على أمر معاناته وهو يُجبر على الابتعاد عن صاحبة الجلالة بعد أن استقبلت صحيفة «المدينة» مقالًا له تدحرج عنوانه بعامل «تخفيف الحدة» من «باسم مَن هذي التنازلات» إلى «أين نقف من هذه التنازلات»، على أن هذا «التخفيف» لم يكن كافيًا لتجنّب ردة الفعل التي انتهت بالقصبي إلى رفع اسمه من المسؤولية في جريدة “المدينة” آنذاك، وتفاصيل الأمر واردة في سياق «فاتحة» الكتاب، والإشارة إليها تنبئ أن ما جاء في المقال تقاطع مع موقف أحد المسؤولين وهو يدعو العرب إلى «الحكمة والأناة والروية» على إثر إعلان إسرائيل عن امتلاكها القنبلة الذرية والأسلحة المتطورة.. تفاصيل هذا الموقف تبقى محفوظة في أضابير التاريخ، لكن كلمات القصبي تعقيبًا عليه تريك «حزنًا» تقطّّر بكلمات حملت من الأسى الكثير؛ انظر إليه يقول: [.. ومع غروب شمس ذلك اليوم.. غربت شمس الصحافة في حياتي.. وأقبل الليل الطويل.. وودعت خلفي صاحبة الجلالة مرتع آمالي وأحلامي.. وصباي.. والمجال الذي انتقته أفكاري ومشاعري منذ طفولتي.. ودخلت ظلمة تهت فيها شهورًا ستة أو تزيد.. وكنت في كثير من دياجيها أنهي طواف ليلي بالوقوف عند جدران مطبعتنا القديمة أتمتع بشميم الحبر، وأرهف سمعي لتكتكة المرسلات، وأنفذ ببصيرتي ومشاعري وأفكاري إلى ما وراء الجدران أستمع بذلك الصخب الرفيع..]. ما أشد هذا الحب ل “صاحبة الجلالة”، حين يسارق المُبعد عنها ليله لتسوقه الخطى إلى مضاربها، وكأنه يعيد إنتاج قصة حب محفوظ في الذواكر، يقرأ مع كل بيت شعر يعمّق من معانيه، ألم يقل قائلهم: أمر على الديار.. ديار ليلى أُقبّل ذا الجدار وذا الجدارا وما حبُّ الديار شغفن قلبي ولكن حبّ من سكن الديارا وإن كان شوق القصبي للصحافة بهذا اللهف، فإن الشوق لمعرفة ما أنجزه في مسيرته سيكون أكبر، وهو ما يقرأ في ما اشتمل عليه الكتاب، مبتدئًا ب “تصدير” الكتاب الذي خطّه قلم الدكتور عبدالعزيز الخويطر، ففي فاتحة هذا التصدير يرسم الخويطر صورة إجمالية للقصبي منظورة في قوله: [.. الأستاذ عبدالله القصبي أديب معروف، وكاتب بارز، كان علمًا من الأعلام في الثقافة، وملأ في وقته فراغًا كان لابد من ملئه بكُفءٍ مثله، ومثّلت آراؤه بحق فكر جيله، وأصبح ما سُجِّل له محتلًا مكانة في تاريخ الأدب والفكر في بلادنا، وجيله والجيل الذي سبقه هم الذين وضعوا الأسس لنهضة أدبية يبني على أسها الجيل الحاضر من الأدباء والمفكرين ورجال الثقافة..]. وجاورت هذا «التصدير» مقدمة بقلم الدكتور عبدالله منّاع تحت عنوان «صاحب.. هذه الرحلة..؟!» أشار في مستهلها إلى أن حياة صاحب هذه «الرحلة» القلمية الفكرية، والسياسية اتسمت في معظمها ب “الاتفاق” و “الاختلاف” معًا منذ انطلاقتها الأولى، خالصًا في خاتمة مقدمته إلى القول: [ إن هذا الكتاب.. لا يروي قصة حياة كاتبه وإن تناثرت بين صفحاته بعضها أو الكثير منها.. ولكنه يروي رحلة قلمه.. مع أفكاره وآرائه، مع أحلامه ورؤاه، مع فرحه القليل لانتصارات أمته.. وغضبه الكثير عليها ومنها، على أن «اختلافه» عن السائد والمألوف.. في الكثير مما عرضه فيه من آراء، و “اتفاقه” في القليل منه.. جعل لكلماته ذلك المذاق الخاص، وتلك النكهة التي ينفرد بها قلم صاحب هذه الرحلة بين أقرانه ونظرائه من الكُتّاب من أبناء جيله، وهو ما سيحمله إلى موائد القراءة والقرّاء من مختلف الأجيال والأعمار..]. في ضوء التصدير والمقدمة والفاتحة بإشارتها المفضية إلى شيء من التوقّع لمحتوى الكتاب، يقسّم القصبي رحلة قلمه إلى قسمين رئيسيين، أو بالأحرى عودتين أولى وثانية إلى بلاط صاحبة الجلالة، ففي العودة الأولى سبعة حزم لمقالات متفاوتة الشأن والأغراض؛ ابتدرها ب “هذه سبيلنا”، ليكتب تحتها ست مقالات تركزت حول جهود القيادة السعودية المبذولة في موسم الحج، جاء المقال الأول تحت عنوان «مسؤولية القيادة» وفيه كتب القصبي يقول: [لقد أتاح هذا التكريم لبلادنا شرف خدمة الحجيج وشرف قيادته، فكان من نصيب قادتنا تحمّل مسؤولية هذه القيادة، وكان هذا لها ولنا شرفًا كبيرًا..] ومواصلة لبيان ما قدمته القيادة من خدمات في موسم الحج جاء المقال الثاني تحت عنوان «يوم الحج الأكبر.. هذا المؤتمر العظيم»، طوّف فيه المؤلف في سياحة تاريخية رسمت صورة لحجة الوداع، والمواسم التي تلت ذلك وصولًا إلى قوله: [ ورغم الأعاصير والأجواء المكفهرة حول الإسلام والمسلمين، ورغم هذا التمزق والشتات والاختلاف الواضح في الآراء والمعتقدات والسياسات والأنظمة.. فقد كان مسار بلادنا السياسي محصلة ناجحة لخير الجميع.. واتسمت سياستنا بالهدوء والاعتدال واتسم رجالها بالحكمة والأناة.. يعود إليهم شاردو الأذهان كلما اصطكت المحن.. وفي الكلمة الجامعة الموجهة من خادم الحرمين الشريفين مليكنا المفدى فهد بن عبدالعزيز ومن صاحب السمو الملكي ولي عهده الأمين لحجيج هذا العام تعميق لذلك المسار في ظل السياسة الحكيمة.. ليبقى مسارنا ملتقى لجمع الشمل..]. وقريبًا من نهجه في المقالين السابقين يكتب القصبي ثالث مقالاته في هذه المساحة تحت عنوان «أمن الحجيج.. وفلسفة الحكمة» عارضًا للحكمة التي اتبعتها القيادة الرشيدة في بعض مظاهر التفلت من قبل بعض الجهات التي سعت إلى تمرير أجنداتها في موسم الحج لتجيء حكمة القيادة في احتواء كل ذلك والمرور بموسم الحج وقتذاك بأمان وسلام، إذ يقول المؤلف: [ أن يكون من بين من جاء إلى بيت الله ومشاعره عناصر تخفي في ثنايا أحمالها وسائل هدم وصحائف كلها لغو وافتراء ثم يكتشفها المسؤولون، وكان الجزاء أن يعاقبوا وأن يشهّر بهم، وكان أبسط ما يمكن أن يكون أن تعرض بالتلفاز أفعالهم وصنيعهم ليراها المسلمون كل المسلمين.. لكن جلال الفريضة وسماحة النظام والثقة بالله ثم بأبناء هذا الشعب المتراص المتلاحم قد أعطت غير ذلك، لقد سمح لهؤلاء بأداء الفريضة وكأن شيئًا لم يكن.. إنها حكمة بالغة وسياسة رشيدة، وفلسفة سامية تدنو من سمو قيمها.. فلسفة يصعب احتمالها إلا من أولي العزم من الرجال.. إنها فلسفة الحكمة..]، ولم يبعد المقال الرابع عن الحج أيضًا، حيث تنال «المنهج العلمي في خدمة الحج» وفيه تعميق للمعاني المشار إليها في ما سبق من مقالات. المقال الخامس سلّط «أضواء على العلاقات الفرنسية – العربية»، عارضًا فيه إلى أطوار نمو العلاقة بين فرنسا والدول العربية وإسقاطات الحرب العالمية الثانية على هذه العلاقة، ودور الثقافة الفرنسية في المحيط العربي. خالصًا من هذه الساحة إلى القول: [إننا ندعو إلى أن تتجه فرنسا إلى العالم العربي ووراءه العالم الإسلامي وفي أفلاكه تدور معظم دول عدم الانحياز.. ندعو فرنسا لاستقطاب هذه المجموعة كقوة ثالثة مؤثرة في هذا القلق الكبير في المنطقة وستجد الطريق أمامها مفتوحًا.. وحينئذ فقط سوف ينتصر اليقين..]. ويعود المؤلف إلى الحج مرة أخرى في المقال الأخير من الباب الأول متناولًا المتفجرات الخطيرة التي حاول النظام الخميني آنذاك إدخالها ضمن أمتعة الشيوخ والنساء من حجاج بيت الله، وما جوبه به ذلك الفعل المشين من تصدٍ وحزم نزعا فتيل الفتنة ووأداها في مهدها. الحزمة الثانية من المقالات جاءت تحت عنوان «حول أحداث الحرم» مستهلة بمقال عنوانه «سياسة الحكمة في منعطف الحزم»، تلاه «منعطفات السياسة المسؤولية المطلوبة»، ثم «مسؤولية الصحافة»، و “من أدب القيادة”، و “عجز القادرين”، مختتمًا بمقال من جزءين حملا عنوان «التربية الوطنية في بلادنا»، وفيهما يشير الكاتب إلى أنه [ إذا كان تطوير المناهج مع تطور حضارة الإنسان أمرًا لازمًا فهو أكثر لزومًا وأهمية لبلادنا في هذه الفترة الحرجة من حياتنا ونحن نستعد لمعركة التصدي.. وإذا كنا قد تأخرنا في دفع عجلة هذا التطور لهذا النوع الجليل من التربية فلعل هذا يلزمنا أن نضاعف السعي من أجل الوطن الغالي والكيان الذي يحميه، ومن أجل غد أفضل]، ثم يعرج في الجزء الثاني من المقال إلى «البيت والتربية الوطنية»، مشيرًا إلى أن مهمة الوالدين في رعاية أبنائهما وتوجيههما وتربيتهما التربية الصالحة واجب تقتضيه عقيدتنا السمحة وتنص عليه الأحاديث النبوية الصحيحة. ويودع الكاتب خمس مقالات في «مشوار على الورق» حملت تباعًا عناوين: الأيام الأولى لزيارة المواصلات في بلادنا، والقطار الأخير للصداقة العربية الأمريكية، وأمن الخليج مسؤوليتنا، والإعلام العربي والانتفاضة، والسلام على طريق القوة. أما رابع الفصول في هذا الباب الأول من العودة الأولى لصاحبة الجلالة فجاء تحت عنوان «نحن وإيران»، متضمنًا سبع مقالات تناولت تباعًا؛ مجلس التعاون ومسؤولية القيادة القومية، وقرارات القمة الخليجية الثامنة في المسار الصحيح، والهجوم الإيراني المزعوم.. دوافعه وأهدافه، ومصر في ميزان الأمن الخليجي، والتطرف الإيراني في الإطار الإسلام وفي الإطار الدولي، ومستقبل السلطة في طهران. ثم يفرد الكاتب 18 مقالَا تحت عنوان «القضية» في إشارة منه إلى القضية الفلسطينية بوصفها القضية المركزية للعرب والمسلمين، معالجًا هذه القضية برؤيته في مقالات تناولت تباعًا منعطف التصحيح في المسار العربي، والعطاء للمقاومة وحدها.. فالفأر في المصيدة، وعملية قبية الفدائية وآثارها، وانتفاضة الفلسطينيين والهوان العربي، وأبطال الحجارة يقرعون الأجراس، ولكي تستمر الانتفاضة.. ويتجدد الزخم، والانتفاضة في مناخ الإعلام العربي، والسياسة الأمريكية لا تخدم المصالح الأمريكية والمؤتمر الدولي مسار مناسب، والانتفاضة والتوجهات العربية المطلوبة، ولن نستدرج ولكن لن نهون، ومبادئ السيد شولتز، والمستوى المطلوب للقرارات العربية في مناخ الانتفاضة، وإذا مات منا سيد قام سيد، ووهج الانتفاضة في قمة الجزائر ودورنا، وأضواء على قمة الجزائر ومعطياتها، وحرب المخيمات.. من وراءها، والعرب والدولة الفلسطينية، والدبلوماسية العربية والدولة الفلسطينية»، وبالإجمال نلحظ في سياق المقالات جنوح المؤلف القصبي إلى توصيف الحالة التي كان عليها الوضع العربي إزاء ما يحدث في فلسطين، ودعوة الكاتب إلى اتخاذ خطوات أكثر إيجابية في دعم الانتفاضة الفلسطينية آنذاك، ونبذ التفرق والشتات الذي وسم الوضع العربي في ذلك الوقت، مع لفت الانتباه إلى المحيط العالمي، وخاصة أمريكا إلى اتخاذ موقف إيجابي من القضية الفلسطينية بوصفها القوة العظمى وذات التأثير الكبير على الكيان الصهيوني. الفصل السادس الذي يعد أطول فصول الكتاب جاء تحت عنوان «مع الأحداث العربية» متضمنًا 32 مقالًا، مستهلة بمقال حمل عنوان «السحاب حول القمة»، ومختتمًا بمقال تناول سراب السلام الذي يطرحه مجرم الحرب «شارون». الفصل السابع «خواطر وشجون» اشتمل على 15 مقال، وفيه يظهر اهتمام المؤلف بالشأن الإعلامي، ففي إحدى مقالات هذا الفصل وتحت عنوان «الإعلام العربي والبث التلفزيوني المباشر» محذرًا من مخاطر هذا البث الذي يحمل في طياته السم في الدسم، داعيًا للأخذ بأسباب الحيطة والحذر حياله في سياق قوله: «ولما كان البث التلفزيوني في البلاد الإسلامية والبلاد العربية يخضع لأجهزة الإعلام الحكومية، فإن هذه الأجهزة مطالبة بأن تتولى رعاية البحوث والتوجهات القومية والوطنية بجمعها وتنسيقها ونظمها في دراسات مستمرة نامية، وهي في الوقت نفسه مطالبة بتطوير برامجها وموادها إلى المستويات التي تشد بها مشاعر المشاهدين وأذهانهم وأن تطعم تلك البرامج بتوجيهات عقائدية مبسطة شيقة تدعم البناء العقائدي القائم والموروث للفرد المسلم». تحت هذا الباب العريض «العودة ثانية إلى بلاط صاحبة الجلالة» استكمل الكاتب القصبي ما كان قد انتهى به في باب «العودة الأولى»، مشتغلًا في فاتحته ب “الإعلام العربي” في ثلاث مقالات ابتدر الأول بتناول “الإعلام العربي ومحاذير الإعلام الأسود”!!، وطيه محاورة بينه وبين قلمه في استعراض لواقع الإعلام العربي؛ حيث يرد في سياق هذه المحاورة قوله: «واعلم يا صاحبي أن إعادة النظر في أجهزة الإعلام الخليجية أصبحت ضرورة ملحة تفرضها هذه التطورات والتقلبات في مجتمعنا وحياتنا الفكرية والمعيشية، وأن السياسات الإعلامية لا بد وأن يعاد النظر فيها على ضوء هذه التطورات الثقافية والاجتماعية العظيمة، وعلى ضوء هذا التطور السريع في الإعلام الحديث، وحينئذ فقط يمكن أن يتحمل الإعلام الخليجي المسؤولية كما تقتضيها الظروف ويتطلبها الواقع الملتهب.. وحينئذ يمكن زرع الثقة في أجيالنا وتعزيز التلاحم». ماضيًا على القول: «فالإعلام علم يحتاج إلى كل ما يحتجه العلم الحديث من معلومات وتأهيل، على كل ما تستلزمه هذه من إمكانات وعدد وتخصص واحتواء لكل ما كتب فيه في الماضي والحاضر وما توصلت إليه الأجيال قبلنا وصهر هذه المعلومات وتوظيفها لتطوير هذا العلم تطويرًا يواكب دقائق الزمن وثوانيه..». ويتناول الكاتب القصبي في الفصل الثاني من العودة الثانية «حرب الخليج» من منظور الدور الخميني المقنع والعمالة الأجنبية، وهل يطفئ حرب الخليج من أشعلها، ومن ينهي حرب الخليج، والإعلام الديني وحرب الخليج، وحرب الخليج على هامش قمة العملاقين الثالثة، وحرب الخليج في معطيات القمة الثالثة، وفي سياق كل هذه المقالات يقدم الكاتب رؤيته وفق المعطيات الماثلة أمامه. آخر فصول هذا الكاتب الصادر عن دار المرسي للنشر والتوزيع والدعاية والإعلان والواقع في 578 صفحة من القطع المتوسط، يتناول الكاتب «مجلس التعاون» من زاوية مسؤوليته في القيادة العامة، باثًا «فيض الخاطر.. على السرير الأبيض» وقت لزومه المستشفى بعد حادث مروري تعرض له. مذيلًا الكتاب بتضمين عدد من الصور الفوتوغرافية التي ترسم صورا لبعض مراحل حياته. مجمل القول أن الإحاطة الكاملة بكل ما جاء في هذا الكتاب «رحلة قلم» أمر في غاية العسر والصعوبة، كونه اشتمل على مقالات متفرقة المجلات، تقترب حينًا وتفترق في أخرى، لا يلمها إلى خيط الاهتمام وموسوعية النظر التي شحذت خاطر مؤلفه القصبي، فهي في مجملها صورة منه في مرآة الحروف، كشفت بجلاء ووضوح نهجه الموسوم بحب الوطن العربي الكبير، وعشقه لوطنه المملكة العربية السعودية، ولعل في الإشارة إلى سيرته الذاتية ما يمنح القارئ الفرصة لاستكمال الصورة التي كونها عن القصبي في مرآة رؤاها المبثوثة في هذا الكتاب، فهو من مواليد منطقة «الزبير» وسُجل في القنصلية السعودية بالبصرة ثم في الرياض، درس الابتدائية والثانوية والعالية في العراق، حصل على ليسانس الآداب ثم الماجستير في الصحافة قسم اللغة الإنجليزية من جامعة القاهرة في العام 1957م. شارك مع صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز في تأسيس وزارة المواصلات، وذلك في شهر محرم من العام 1373ه حيث أعد الهيكل التنظيمي الأول لوزارة المواصلات في بيت الجفالي بالطائف، عمل مساعدًا لسكرتير عام وزارة المواصلات عند تأسيسها، ثم رئيسًا لمكتب السكك الحديدية بالوزارة، ابتعث إلى إنجلترا في دورة تدريبية لإدارة السكك الحديدية، وبعد عودته عيّن مديرًا عامًا لمصلحة الطرق ثم رئيسًا لبلدية جدة. استقال وعمل مديرًا لمؤسسات عبدالله هاشم- رحمه الله- ثم مديرًا عامًا لمؤسسة المدينة للصحافة والطباعة والنشر، أنشأ مؤسسة أكرا في العام 1388ه التي نفذت أنفاق منى الخمسة المزدوجة، وجسر الملك فيصل بمزدلفة ومشاريع أخرى في المشاعر المقدسة، رأس أول مجلس إدارة لشركة مكة للإنشاء والتعمير، وثلاث شركات أخرى، وعمل عضوًا في مجلس إدارة شركة المصافي العربية لمدة ثلاثين عامًا، إلى جانب عضويته في مجالس إدارات أربع شركات أخرى. في العام 1421ه / 2000م استقال منها جميعًا لأسباب صحية وللتفرغ لتطوير مؤسسة أكرا في مجال التعدين