يعيش اليمن في هذه المرحلة ظرفا استثنائيا هو الأكثر تعقيدا في تاريخه المعاصر، أبرز مظاهره، تمدد مليشيا الحوثي المسلحة في اليمن هذه الجماعة التي تتكئ على إرث سيئ من الصراع والعنف والتمرد على الدولة والمجتمع لدوافع طائفية، وسعيا وراء فرض وجهة نظر أحادية تتعلق بالحكم وتصادر حق شعب بأكمله في تنفيذ ما أقره على قاعدة الوفاق في مؤتمر الحوار الوطني. لقد كشف الرئيس اليمني هادي في خطابه الأخير عن حجم الإحباط الذي يسيطر على الدولة. ويأتي هذا التحول بعد أن طالب الرئيس هادي، المليشيا صراحة بالانسحاب من العاصمة والمحافظات التي توسعت فيها، وبعد أن رفع التغطية عن حرب تخوضها في منطقة رداع بمحافظة البيضاء مع القبائل ومقاتلين من أنصار الشريعة، بتأكيده أن الحرب ضد الإرهاب، مهمة حصرية بالدولة وقواتها المسلحة والأمن، وأنها قامت بمصادرة دور الدولة، وممارسات الانتهاكات بحق اليمنيين. لقد أنتج التمدد المسلح للجماعة الحوثية، وضعا شائكا ومقلقا للغاية، وأكثر تداعياته خطورة، أنه سيحول اليمن إلى ساحة حرب طائفية، ويكاد يؤسس لموجة عنف مسلح بين المكونات اليمنية، لدوافع طائفية ومذهبية، بالحروب التي تفتعلها الجماعة المسلحة في عدد من المناطق. كان اليمنيون قد تنفسوا الصعداء، بالنجاح الذي تحقق في المسار السياسي، تأسيسا على المبادرة الخليجية، التي مثلت أحد أهم الإسهامات الأخوية لدول الخليج، وفي مقدمتها المملكة هذا البلد الجار والمهم، الذي لم يفتح بهذه المبادرة، نافذة أمل لإنعاش المسار السياسي، في بلد كاد ينزلق إلى مستويات خطيرة من العنف، ولكنه قدم إسنادا اقتصاديا كبيرا لليمن في فترة عصيبة، وهو الإسناد الذي ما يفتأ الرئيس اليمني والحكومة ينوهون به في كل مناسبة. فقبل أن يدشن الحوثيون مشروع إجهاض النظام الانتقالي، كانت أولويات إنقاذ اليمن، تأخذ طابعا سياسيا واقتصاديا تقريبا بعد أن وضعت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، البلاد في مسار آمن. غير أن التحولات الدراماتيكية التي نتجت عن تقدم المليشيات الحوثية وتمكنها من إسقاط محافظة عمران والتمدد نحو صنعاء ، أصبحت الأولوية أمنية بامتياز، بالنظر إلى طبيعة المهام التي يتعين إنجازها عبر الحل الأمني والعسكري، ومنها استعادة الدولة من يد المليشيا، وإعادة تأسيس الشراكة الوطنية، وفق ما تقضي به وثيقة السلم والشراكة الذي وقعت عليه الرئاسة اليمنية والأطراف السياسية، مساء اليوم ذاته الذي وقعت فيه صنعاء في يد المليشيا المسلحة.. وأمام وضع بهذا القدر من التعقيد والخطورة، فإن اليمن يحتاج أكثر ما يحتاج إلى إعادته إلى مسار التسوية، المحكومة بالمرجعيات الأساسية وفي المقدمة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة ولأن أداة إنفاذ إرادة الدولة تتمثل في وجود مؤسستين عسكرية وأمنية قويتين، ومبنيتين على أسس وطنية حقيقية، فإنه من الأهمية بمكان مساعدة الدولة على بناء هاتين المؤسستين العسكريتين، أخذا في الاعتبار أن إنهاء الدور الخطير للمليشيا المسلحة لن يتحقق بدون مؤسستين عسكرية وأمنية قويتين وأكثر تماسكا، وتخضعان للقرار السياسي.