صديقتي المترفة التي اعتادت أن تقضي الصيف في إحدى المدن الأوروبية، تأبى أن تعود إلى الرياض بنهاية الصيف وتظل هناك إلى نهاية فصل الخريف عندما يبدأ الشتاء يرسل تباشيره منذرا باقتراب ثلوجه ووهجه، فتضطر آنذاك للعودة بحثا عن الدفء في حنايا أرض الوطن. حين عاتبت تلك الصديقة على طول الغياب أرسلت لي صورا لبيتها القابع في وسط منطقة طبيعية بالغة الجمال تحيط به أشجار ملونة يلوح من خلالها ماء البحيرة ينساب هادئا من بعيد، ومع الصور بعثت برسالة تقول فيها: لا تلومينني على عدم العودة، فأنا أسيرة هذا الجمال الرباني، فحين أقف كل صباح في شرفة بيتي تصافح بصري أشعة الشمس المنعكسة على سطح الماء، وتهب علي نسائم الصبح الندية أشعر بلذعات الهواء البارد الخفيفة على جسدي، فتغمرني سكينة وصفاء داخلي، وتفيض نفسي بالتفاؤل فأرى الحياة ممتدة جميلة أمامي. ظلم الناس فصل الخريف فوصفوه بالقبح، وشبهوا به النهايات التي لا تعجبهم، سموا مرحلة ما بعد انقضاء الشباب (خريف العمر)، ووصفوا أيامهم غير الجميلة بأنها (خريف الأيام)، جعل الناس الخريف مرادفا للقبح والضعف والذبول، فما أنصفوا!! سبحان خالقنا، الذي ربط مشاعرنا بالطبيعة من حولنا، نتأمل جمالها فنهدأ وتسكن نفوسنا المضطربة، يسحرنا شروق الشمس ويغرينا بالأحلام غروبها، نؤخذ بمنظر النجوم وألوان الفراشات ونطرب لأصوات الموج وغناء الطيور. الشعور بالجمال لا يتجزأ، فمن أحب الطبيعة وجد في تقلباتها جمالا لا يضاهى، واكتشف في كل فصل من فصول العام مذاقا خاصا به لا يجاريه غيره، ووجد في الخريف جمالا لا يقل عن جمال الربيع أو الصيف أو الشتاء، ولكن بطعم مختلف. في الخريف تعتدل الحرارة، وتكتسي الأشجار بألوان متعددة زاهية فتحيل المكان إلى لوحة بهية بتنوع مناظرها وبديع جمالها. ولكن إذا كان الإنسان ابن بيئته فليس مستغربا على من هو مثلنا يعيش في صحراء لا تعرف خلال العام سوى فصلي الشتاء والصيف، أن لا يكتشف جمال الخريف، فالخريف في بيئتنا فصل ساقط من تقويم السنة.