بعد ظهور أدوات التواصل الحديثة، أصبحت الأزمة القيمية تظهر بشكل أكثر جلاء، إذ يمكن القول إن البعبع الأخلاقي خرج من مخبئه لتظهر علينا قيم جديدة لم تكن في الحسبان، ولتضعنا في سؤال أمام ذواتنا المفكرة: هل كنا مجتمعات فضيلة فيما سبق؟ أم أن القضية لا تعدو كوننا مجتمعا يتشابه مع كل مجتمعات العالم، فبقدر ما فيه من قيم فاضلة، فإنه في المقابل لديه قيم ليست كذلك، فما بين الأفكار المثالية أو الطوباوية والسلوكيات البرجماتية كان مجتمعنا يعيش حياته اليومية وفق هذه الازدواجية التي نراها في كل مكان. في رأيي أن أزماتنا القيمية ناتجة عن كوننا نعيش مجتمع البين بين، كما يقول المفكر المغربي عبدالسلام بنعبدالعالي؛ أي أننا مجتمعات تعيش بين عصرين: عصر ما قبل الحداثة أو التقليدية بشكل أكثر توصيفا، وعصور الحداثة التي اكتسحت كل حياتنا إلى الدرجة التي استطاعت اختراق الكثير من خصوصياتنا، إذا كانت لنا خصوصيات مجتمعية، فقيم ما قبل المجتمع الحديث ليست هي قيم المجتمعات الحديثة، ولعل أحدها مثالا لا حصرا بروز قيمة الفردانية، والتي خلقت تأزما للمجتمعات التي لم تدخل في الحداثة إلا شكليا، وبقدر ما تحقق من رخاء اقتصادي فقط دون أن تطال البنى الفكرية، فبروز النزعة الفردانية، ولو على مستوى الثقافة والفكر فقط، جعل المجتمع أمام قيمة جديدة تضرب في أساس تكوينه الثقافي الذي كان متأصلا لمصلحة الجماعة، وهنا تحل قيمة محل قيمة أخرى بفعل التحولات الاجتماعية، ومن هنا تبرز التأزمات القيمية في المجتمعات التقليدية، ومجتمعنا أحدها. والإشكالية هنا ليست في حلول قيمة مكان قيمة أخرى، وإنما في مدى قابلية هذا الحلول لدى المجتمع التقليدي، فالأجيال الجديدة، والتي ظهرت مع وجودها التحولات في القيم، هي في رأيي أكثر انسجاما مع معطيات عصرها، فهي تتمثل عصرها من غير الإحساس بالأزمة القيمية التي تعيشها الأجيال السابقة عليها، كونها استطاعت التصالح مع ذاتها، لكن تبقى إشكاليات الأجيال السابقة تلاحق الأجيال الجديدة لتؤثر على حراكها المجتمعي، إلا إذا استطاعت أن تصنع قطيعة معرفية مع تفكير السابقين.