إن تفحصنا تاريخ الحروب الأهلية في الدول منذ أول دولة أسسها الإنسان، والأسباب التي أدت لتفككها وتفسخها، سنجد أن ما يحدث في اليمن والعراق وسوريا الآن هو متطابق مع ما حدث لأول دولة تأسست وتفككت، وإن حاول قادة الحرب الأهلية لصق التهمة بالخارج «الدول العظمى أو إيران أو دول البترول»، وأنه مسؤول عن ما حدث، ففي النهاية وإن لم يكن الخارج بريئا، إلا أنه لا يستطيع أخذ ما يريد إلا بقدر ما يعطيه الداخل المسؤول الأول عن تفكك وتفسخ دولته. إذ تبدأ الحكاية بأقلية تستبد وتظلم وتضطهد فئة من المجتمع بموافقة أو باستدعاء العداوات القبيلة أو العقدية القديمة، أو بصمت البقية على أمل تحقيق مصالحهم من خلال تبنيهم فلسفة «أنا ومن بعدي الطوفان». فتلجأ تلك الفئة المضطهدة للخارج أو تستدعيه ليحميها من اضطهاد تلك الفئة المستبدة ومن صمت أطياف المجتمع بالداخل على ما حدث لها، تماما كالأكراد حين استدعوا الغرب لحمايتهم من بطش «حزب البعث» وصمت البقية. هذا الظلم والاستبداد من فئة تجاه البقية، وذاك الصمت من باقي أطياف المجتمع على اضطهاد إحدى الفئات، ولد عداوات ليس تجاه الحزب الظالم فقط، بل تجاه الصامتين أيضا، لهذا حين سقط «حزب البعث»، لم تعد الدولة قابلة للعودة كما كانت من جديد، لأن الأطياف التي كانت تتشكل منها الدولة فقدوا الثقة ببعضهم البعض بأن يدافع الآخر عنه إن ظلم. وحكاية العراق واليمن وسوريا وتفكك وتفسخ الدولة، هي نفس حكاية أول دولة أسسها الإنسان، ونفس الأسباب التي فككتها. المأزق أن الإنسان رغم تجاربه وتاريخه المجيد في سفك دماء أخيه الإنسان، لا يريد التعلم من تجاربه، ومازال يكرر نفس أخطائه، فلا يدافع عن أخيه الإنسان المضطهد، ليحمي نفسه من الظلم في المستقبل، لأن أخاه سيقف معه، والأهم أن يحمي وطنه من الظلم إذ يبدأ عمله في تفكيك دولته. ومازال يؤمن بفلسفة «أنا ومن بعدي الطوفان»، لاعتقاده أنه إن نجا من الطوفان، لن يبتلع الطوفان أبناءه وأحفاده. [email protected]