الحكومة السورية تريد اغتيال الحرية باغتيال الشعب، لكن مجرى الأحداث يتجه إلى هزيمتها، لأن المقابل ليس ميليشيا أو فئات متطرفة، أو فصيلاً في الجيش اكتشف عزمه على إعداد انقلاب، بل المواجهة تجري بين سلطة اختارت الترهيب بالإبادة مع الشعب في وقت يسود شعور عام شعبي بأن السلطة ستذهب مهما كانت التضحيات.. المعادلة معقدة، فإذا كانت الأوامر الإيرانية للسلطة العراقية التي لبّتها بدفع خمسة عشر ملياراً لمساندة الحكومة السورية، إضافة إلى الدعم المادي الإيراني، وتزويدها بعناصر بشرية من حزب الله ومن حرسها، فإننا لا نعتقد أن بقايا اليسار العالمي في كوبا، وكوريا، وفنزويلا، ستدعم دولة «الممانعة» لأن الرياح ذاتها تهب على هذه البلدان بعاصفة الربيع العربي.. هناك رأي عام يستنكر صمت السلطات العربية إلى حد اتهامها بالجبن أمام ممارسات لا تقبل الحياد، لكن إذا رجعنا للتاريخ العربي لما قبل نصف قرن عندما كانت الزعامات العسكرية هي من يحدد اتجاه السياسة وبناء المواقف وفقاً لرؤيتها ما خلق عداوات وحروباً سرية سميت بالمؤامرات المتبادلة، فإن رؤية اليوم أفرزت دولاً تخشى أن تصل تقديراتها للخطأ، وهو ما شاهدناه في ثورتيْ تونس ومصر، وكذلك اليمن وليبيا، ولولا الجهد لدول مجلس التعاون الخليجي بمحاولة إنهاء الخلاف بين الحكومة والثوار في اليمن، لوجدنا تعميم الصمت ينطلق من هاجس طلب السلامة طالما الشعب هو من يقرر في سورية وفي غيرها، لكن هذا مدعاة للسخرية، فكيف يستنكر العالم ممارسات تلك السلطات المتمسكة بكراسيها، ويحاربها بوسائل الضغط السياسي والاقتصادي والتدخل العسكري، مقابل دعم إيراني - عراقي لسورية، ولا نجد من أعضاء الجامعة العربية من يقف ولو معنوياً مع الشعب السوري؟ الأمر لا يُستنكر، فقد احتُل العراق ولبنان، ودُمرت غزة خلال عدة أعوام وموقف السكوت يتكرر، ولعل الهزيمة الذاتية التي ارتضتها الدول، كانت الحافز للشارع العربي لأْن يتخذ قرار التغيير ورفض الهزيمة بأي شكل كان، وهذه المرة ليس بدوافع ووصايا الزعامات وشعارات الأحزاب، بل كان الدافع أقوى من تلك السياسات التي ظلت مخادعة، فهي تظهر بثياب البطل أمام مواطنيها، وجِلد الحمَل أمام خصومها، ويكفي أن دولة المواجهة والممانعة، وخط النضال لتحرير فلسطين، هي التي تعرت أمام العالم بأن كل ما فعلته في بناء جيشها وقواها الأمنية أنها ظلت تنتظر اللحظة التي تجسد فيها هذه القوات حماية السلطة، لا حماية الوطن، وهي حالة تؤكد أن غسل الأدمغة في العقود الخمسة الماضية من قبل الحكومات أعطانا الدليل أنها وحدها من فرض الحكم البوليسي والتوريث، وطغيان الطائفة، وأن إسرائيل مقارنة بتلك الحكومات أكثر أماناً من غيرها، والدلائل أنها فزعت من تطورات الأحداث في مصر وسورية والتي طالما تظاهرت بالعداء وبمخاوف حروب المستقبل والتحالفات الإقليمية ضدها من دولة الممانعة.. المرض العربي عولج بالصدمات الثورية، وسورية ليست الاستثناء إذا كان الشعب هو البطل باختراقه أعتى سلطة بنت نفسها على حصانة الولاءات ومدرعات الجيش والأمن..