رغم كل ما تلا خلع الرئيس المصري السابق حسني مبارك من انتهاكات تصل إلى حد الجرائم، فقد مارست الإدارة الأمريكية الصمت المطبق تجاه كل ما حدث. الإدارة الأمريكية صمتت عن أحداث ماسبيرو، وأطبقت فمها حيال ما حدث في شارع القصر العيني، و(طنشت) تماما عن جرائم القتل المنظم بحق المتظاهرين والمعتصمين، ولم تتحدث ممثلة في وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون سوى عن حادثة السحل التي تعرضت لها إحدى الفتيات مؤخرا على يد رجال الجيش. السيدة المحترمة هيلاري كلينتون لم تر في كل ما حدث في مصر شيئا يستدعي القلق سوى ما وصفته باستهداف النساء خلال الانتفاضات العربية! هكذا وبكل بساطة، تتحول ثورات شعوب مورس ضدها الظلم والطغيان بكل أنواعه، وذاقت مرارات الإذلال بمختلف أشكالها، إلى مجرد مظهر من مظاهر اضطهاد النساء في الشرق البائس و(الغارق في تخلفه) وقيمه المعادية للحداثة والإنسانية والقائمة على التمييز بين الجنسين! الست هيلاري التي وصفت النظام المصري السابق بالنظام القوي والمستقر غداة انطلاق الانتفاضة الشعبية في الخامس والعشرين من شهر يناير (كانون ثاني) الماضي، هي نفسها التي (طنشت) عن كل الجرائم التي ارتكبتها الجهة المسؤولة عن إدارة المرحلة الانتقالية، ثم استشاطت غضبا بعد حادثة السحل التي تعرضت لها إحدى المتظاهرات! وحتى إذا صدقنا السيدة هيلاري كلينتون واعتبرنا أن حماية حقوق النساء ومحاربة التمييز ضدهن هما الدافعان المحركان لسياسة بلادها في مصر وهما المرجعيتان اللتان تستند إليهما مواقف الإدارة الأمريكية بالنسبة للعالم العربي عموما ولمصر خصوصا، فأين كانت السيدة هيلاري كلينتون عندما أحيلت الناشطة أسماء محفوظ إلى القضاء العسكري بسبب بعض العبارات التي دوّنتها على موقعي فيس بوك وتويتر؟ ولماذا لم تعلق الإدارة الأمريكية والسيدة كلينتون على موقف حزب النور الذي فاز بالمركز الثاني في الانتخابات البرلمانية، من المرأة..؟ أم أن الموقف الذي أعلنه حزب النور بخصوص اتفاقية كامب ديفيد وعدم ممانعته من إجراء الاتصالات مع العدو الصهيوني، قد محَوَا كل المآخذ والملاحظات والتخوفات المتعلقة باضطهاد المرأة؟! إن تصريح السيدة كلينتون كان يليق برئيسة جمعية للدفاع عن حقوق النساء لا بوزيرة خارجية تابعة لأقوى دولة في العالم، فهل تحولت أمريكا من قوة عظمى وإمبراطورية استعمارية إلى جمعية خيرية أو منظمة من منظمات المجتمع المدني المعنية بشؤون المرأة؟! لماذا تصر أمريكا على استغبائنا لهذا الحد؟!