مر موسم الحج بسلام، بنعمة من الله وفضل، في كل عام يصيب الناس شيء من توتر وقلق خشية أن يحدث أثناء الحج مكروه يعكر صفاءه، وتظل الأيدي على القلوب متوجسة في حالة استنفار وتأهب إلى أن ينتهي الحج ويفيض الحجاج خارج الحرم متجهين إلى بلادهم. أن تدير حشدا كبيرا يدخل في نطاق الملايين، كما يحدث في موسم الحج، ليس بالمهمة السهلة، خصوصا متى كان ذلك الحشد الضخم ينحصر في مساحة جغرافية بالغة الصغر مقارنة بالعدد المليوني الذي يمثله، وإذا أضفنا إلى ذلك كون الحشود خلال موسم الحج تأتي منتمية إلى ثقافات مجتمعية مختلفة ولغات متباينة، والنسبة الأكبر منها من الطبقة الفقيرة والوسطى المنخفضة، حيث ترتفع فيها نسبة الجهل والتخلف الحضاري وضعف الوعي الصحي، أدركنا مدى المشقة التي تصاحب إدارة ذلك النوع من الحشود!! لهذا، فإنه في كل عام متى انفض سامر الحجيج واتجه كل إلى طريق العودة، في أمن وسلام من غير شغب ولا افتعال فوضى، وخلو من الكوارث وانتشار الأمراض والأوبئة، تنفس المتوترون الصعداء شعورا بالراحة بعد الكرب العظيم. وحج هذا العام ليس استثناء، فقد جاء مصحوبا بكل ما يثير التوتر والقلق، فالظروف المحيطة بالحج هذا العام كانت ظروفا قاسية مملوءة بالمنذرات بالمخاطر، سواء من الناحية الأمنية أو الصحية، إلا أنه برحمة من الله مر الموسم بسلام لا يكدره سوء ولا يصحبه ضر. هذا القول يمثل الإطار العام للوضع في حج هذا العام، الإطار المتعلق بالناحيتين الأساسيتين: الأمن والصحة، وهما ناحيتان تمثلان محور السلامة في الحج، ثم تأتي بعدهما جوانب أخرى تتعلق بالتنظيم والنظافة العامة، وهذه قضية أخرى. بالنسبة للتنظيم وإدارة الزحام في الحج، لا أظن عاقلا يمكنه أن ينكر أن هناك محاولات مخلصة للتخفيف قدر الإمكان من التزاحم، وقد ظهرت ثمار ذلك في المطاف والمسعى بعد أن تعددت الأدوار ووجد الطائفون والساعون مساحات أكبر يتوزعون خلالها، وكذلك عند الجمرات التي ما عادت تمثل بؤرة للزحام بعد بناء الجسور وتوعية الحجاج بسماحة الدين وإمكان الرمي في غير أوقات الرمي التي كان العمل بها في الزمن السابق حين كان الزحام صغيرا. إلا أنه، بالرغم من ذلك، بقيت مشكلة الزحام في الطرقات، واختلاط مرور البشر بالحافلات والمركبات على اختلاف أنواعها، وكذلك مشكلات مثل الافتراش، وقلة دورات المياه العامة نسبة إلى عدد الحجاج، وغياب النظافة، واصطحاب الأطفال للحج، وكلها مشكلات تحتاج إلى دراسات جادة للبحث عن طرق أفضل للتعامل معها؛ لتحقيق موسم للحج ناصع البياض والطهر، لا يشغل الحجاج فيه سوى العبادة. تقبل الله من الحجاج حجهم، وأثاب العاملين على خدمتهم وتيسير حجهم خيرا كثيرا.