لم يكن خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- الذي وجهه للمشاركين في مؤتمر مكة من علماء ومفكرين ودعاة للأمة الإسلامية، خطابا عاديا بكل المعايير، في هذا التوقيت الصعب الذي تمر به الأمة الإسلامية حيث الأزمات والعواصف ورياح الإرهاب الظلامي المتطرف تتمدد والأفكار الدخيلة على مجتمعاتنا الإسلامية المتشددة تنتشر باسم الدين الإسلامي والتي لا تمت للإسلام بأي صلة وهو منها براء. خطاب خادم الحرمين الشريفين الذي ألقاه نيابة عنه صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز أمير منطقة مكةالمكرمة، حمل العديد من المضامين الاستراتيجية الهامة وشخص أحوال الأمة المضطربة وما تحتاجه من علمائها وإعلامها من تعاون جاد ومخلص متعدد الأطراف لتجريد الفكر المنحرف وتعزيز الجبهة الموحدة ولجم الإرهاب واجتثاث الإرهابيين من جحورهم وكهوفهم ومعاقلهم، وإرسال رسالة للعالم أن الإسلام دين السماحة واليسر وليس له بالإرهاب والتطرف، وأن ما يفعله تنظيم «داعش» وبقية التنظيمات الإرهابية لا تمت للدين الإسلامي بصلة. الملك عبدالله في خطابه الهام والشفاف والذي يأتي قبيل بدء مناسك الحج بأيام، أكد في نفس الوقت أن الوفاء بمتطلبات المعاصرة لا يتعارض مع التمسك بالثوابت وأن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لا يجب خروجها عن ثقافة الأمة المعتدلة، وهذا يضع مسؤولية كبيرة وجسيمة على علماء الأمة وإعلاميها بضرورة توضيح بشاعة الفكر المنحرف والتأكيد على أهمية تعزيز الجبهة الوطنية بالتماسك والوحدة والالتفاف حول القيادة، وفي نفس الوقت الموازنة بين الأصالة والمعاصرة، خاصة أن الملك عبدالله أكد أن الوفاء بالالتزامات في التعاون الدولي والإنساني، لا يتعارض مع خصوصيتنا الثقافية، وأن التنمية البشرية وما يتصل بها من مفاهيم كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لا يجوز أن تكون خارجة عن إطار البيئة الثقافية للأمة وهذه رسالة غاية في الأهمية للعالم تؤكد تشخيص الواقع بصراحة وشفافية من خلال إفرازات ما يسوقه الغرب من مفاهيم خاطئة عن حقوق الإنسان ومزاعم الديمقراطية على الطريقة الغربية. ومما لا شك فيه أن المرحلة الخطيرة التي تمر بها الأمة الإسلامية تتطلب الوعي والحرص والحنكة ووضع الخطط الاستراتيجية لتصحيح صورة الإسلام والتصورات الخاطئة في المفاهيم الإسلامية، والذي للأسف شوهته التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش» الظلامي والذي أساء للدين الإسلامي بفكره الظلامي المتحجر، ومحاربة الفكر الإرهابي المنحرف قولا وفعلا وليس فقط عبر إصدار البيانات وإطلاق التصريحات لأن المرحلة تتطلب العمل باعتبار أن خطر الإرهاب داهم ويحتاج للاجتثاث الفوري. ويمكننا التأكيد على أن السياسات التي انتهجتها المملكة والتي تعاون العلماء والإعلام بكل إخلاص وأمانة معها، مكنتها من تجريد الفكر المنحرف من كل الشبهات فتكونت ولله الحمد الجبهة الموحدة لتحصين المجتمع السعودي لكي يصبح مجتمعا قويا ومستقرا رافضا للأفكار المتطرفة البعيدة عن قيمنا الإسلامية التي تدعو للتسامح والوسطية والاعتدال وفهم ثقافة الآخر.