تمر الذكرى الثالثة عشرة على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولايزال التطرف والإرهاب يتصاعد في العالم كله، ولكنه يتركز في المنطقة العربية والإسلامية أكثر من غيره في مذهبيه السني والشيعي على حد سواء. كلف الحرب على الإرهاب دولا عديدة الشيء الكثير في الأرواح والممتلكات والاقتصاد وغيرها. انهارت مدن، وهجرت مدن أخرى بسبب الحرب المتبادلة بين التطرف وعدد من الدول. فاتورة الإرهاب كانت كبيرة إلى الحد الذي أرهق الميزانيات، وعطل كثيرا من مشاريع التنمية في دول عديدة. أفغانستانوالعراق مثلا أكثر دولتين كانت فواتير الإرهاب عليهما باهضة. الدول الكبرى تقصف مواقع الإرهابيين، والإرهاب يتمدد في هاتين الدولتين، ويتعداهما إلى غيرهما. دول عديدة عانت من الإرهاب. السعودية ما زالت تعاني منذ حوالى 2003. قبل أسبوع أعلنت الدولة عن القبض على خلية شملت 80 متهما. في العالم العربي التطرف يزداد بين الطائفتين السنة والشيعة في أكثر من دولة. بعد ما يسمى بالربيع العربي 2011 نما التطرف مرة أخرى، ليعود أكثر توحشا وشراسة من ذي قبل. كان التطرف يذهب إلى الحكومات. الآن بدأ ينزل إلى الشعوب نفسها؛ بل ويصل الحال إلى المتطرفين أنفسهم، فيكفر بعضهم بعضا ويجز بعضهم رؤوس بعض. داعش تتمدد وتنشئ دولة متطرفة لها في العراق والشام وتعلن الخلافة. بوكو حرام يعلنون الخلافة في أفريقيا. جماعات من السنة يقتلون الشيعة، وجماعات من الشيعة يقتلون السنة في أحد مساجد ديالى. يتصدر رموز التطرف من الجانبين القنوات الفضائية، والخطب المنبرية ليقوموا بالتحريض الصريح، أو المبطن ضد بعضهما. التطرف يصعد في كل مناحي الحياة حتى يضيق على الناس حياتهم ومعيشتهم وحرياتهم الشخصية باسم الدين والحفاظ على الهويات او الحفظ على الثوابت، متهمين التيارات الأخرى بأنها تجر المجتمع إلى الفجور. والنتيجة يخرج عدد كبير من أبنائنا إلى المناطق الموبوءة بالتطرف ليمارسوا أبشع أنواع القتل تجاه بعضهم، ثم يدعي بعض متطرفينا من المشايخ، الذين ما يزالون يتصدرون المشهد السعودي ويحرضون على المخالف اختلافه الفقهي أو المذهبي أو حتى العادة الاجتماعية، بأن منهجهم الوسطية والاعتدال. كل السردية السابقة في المقال يعرفها كثيرون، ولا شيء جديدا. السؤال الأهم: كيف نحد من التطرف ؟. هذا سؤال لا أحد يريد الإجابة عنه، وإن تمت الإجابة فهي إجابات فكرية لا برامج عملية لها منتشرة في المجتمع بشكل مكثف وواضح وإنما في دوائر ضيقة ومغلقة، ومن يتصدى للعمل بعض ممن كان لهم مواقف من المخالفين (بعضهم ذو وعي ديني ووسطي عميق ولكن صوته خافت). بعض الذين ذهبوا إلى العراق وسوريا، كانوا قد خضعوا إلى برنامج المناصحة. كتب الكلباني مرة بأن داعش نبتة متوحشة، ثم عاد مرة أخرى ليخفف من حدية التغريدة وادعى أن النبتة تختلف عن جذورها. لا أعرف كيف تختلف النبتة عن جذورها! لم نجد نخلا أنتج زيتونا! النبتة ناتج طبيعي ومباشر لجذورها. ما لم يتم مراجعة المنهج الفكري في الأصول نفسها، ونقض مسلماتها الفكرية؛ إضافة إلى تخلي السياسي العربي عن استخدام الدين في تحريك الدمى لصالحه، فإن التطرف باقٍ ويتمدد حسب بؤر التوتر الذي تنتجه، أو توسع من دائرته. مراجعة الأصول نفسها وفتح مجالات الحرية الدينية، والفكرية، والشخصية في المجتمع مع الضابط القانوني الذي لا يجعل أحدا يعتدي على أحد، ربما يحد كثيرا من هذا التطرف. المشكلة أن هذا يعتبر برنامجا سياسيا، والسياسيون مستفيدون من الوضع الحالي، ويستغلونه لصالحهم، ولذلك يبقى التطرف سؤالا لا إجابة حقيقية وعملية له.