الحياة اللندنية على أنه لا مجال للمقارنة بين تاريخ الأمة العراقية العظيم، إذ كانت دولة الخلافة الإسلامية العابرة للقارات، وبين تجارب «الطوارق» الذين مهما قيل عن ثقافتهم وتاريخهم وبطولاتهم، إلا أنهم ليسوا في قلب التأثير في المشهد العربي والإسلامي مثل ورثة حضارة «بابل» والخلفاء الراشدين والحسن والحسين، وهارون الرشيد والمنصور وصدام! غير أن التاريخ والأحداث عِبر. والسعيد كما تقول العرب نفسها «من وعظ بغيره». عندما سقط نظام القذافي وتهاوى، حدث بعض التفاهم بين مقاتلي الطواراق في الجيش الليبي لعزلهم عن المعارك في مقابل أن تعطيهم السلطات الفرنسية في عهد ساركوزي خطاً أخضر بتأميم إقليمهم (أزواد) في شمال مالي، والذي ثاروا عقوداً من أجل الاستقلال به. لم تكلف العمليات القتالية الشبان الطوارق كثيراً من الوقت. فما هي إلا أسابيع حتى أحكموا قبضتهم على كل منطقتهم، كما هو معلوم. إلا أن عنصراً جديداً برز في المشهد، هو حركات ذات صبغة «جهادية"، حولت المعركة النضالية الطويلة، إلى «جهاد» بين كفار ومسلمين. تحالف «الجهاديون» مع حركات التحرير المدنية بحسن نية، ولكن سريعاً ما انقلبوا على أهل الأرض، واعلنوا تجربتهم المشهودة في تطبيق الشريعة، وهدم القبور، وقطع الأيادي، وقص الرقاب، إلى أن تطور الأمر في نهاية المطاف إلى غزو الجنوب المالي، بدون أسباب مقنعة، خصوصاً لأهل الأرض الشمالية. وجدت القوات الفرنسية تلك الخطوة، لحظة مناسبة للتدخل بتفويض أممي، قامت على إثره بطرد الجماعات «الجهادية»، ولا تزال إلى اليوم تحاول فرض معادلة صعبة، تفصل بين أهل الأرض وبين الجماعات المتطرفة العابرة للقارات. لكن الاخفاقات على الأرض، كما تقول المصادر، أكثر من النجاحات. ما مضى كان اختزالاً مخلاً لقصة يعرفها كل المتابعين، لم تزل فصولها تترى، إلا أن العراقيين السنة على رغم غناهم الثقافي والسياسي والاقليمي والدولي، وقعوا في «الفخ» نفسه مع الأسف. فعلى رغم عدالة قضيتهم إلا أن دخول «داعش» فيها منذر بإفسادها. من جانب كون «الدولة الإسلامية» لن ترضى عنها أي دولة، ومن جانب أن السنة أنفسهم سيجدون أنفسهم غرباء في مناطقهم. فالشيعة الذين تصفيهم بذرائع مذهبية أو انتقامية، تملك «داعش» من أيديولوجيا التطرف ما يسمح لها جزماً بإحلال السنة مكانهم، عبر تكفيرهم ومن ثم إصدار أحكام الاعدام الارتجالية ضدهم. ومع أنه من غير المنطق أن تفتح عشائر العراق جبهتين في وقت واحد، ضد «داعش» وأخرى ضد أعدائها «المالكيين»، إلا أن ذلك لا مفر منه، طال الوقت أو قصر. والتمايز عن «داعش» هو أهم من أي انتصار أو تمدد يحققه الحراك السني في العراق. لا أحد يشكك في المظلمة التي حركت العشائر السنية في العراق، إلا أن التاريخ سيسجل كم ان هذا الحراك «خطوة غير محسوبة»، نقمتها على السنة في العراق أكبر من أي منفعة مرجوة. فأن يتم تقسيم العراق بواسطة أي كان أمر معيب، لكن أن يسمح السنة باستخدامهم قميص عثمان في تقسيم أرض هي أرضهم برمتها، خطأ فادح لا يقل عن خطأ المالكي الذي دمّر ما تبقى من الوحدة العراقية التي كانت فوق المذاهب والعشائر والأديان. وهذا يذكر بمقولة وزير خارجية سلطنة عمان يوسف بن علوي، في حواره سابق له مع «الحياة»، أقر فيه بأن العرب لا يقرأون التاريخ، ولا يكلفون غيرهم بأن يقرأه لهم. إن تصفيق السنة في العالم للغضبة السنية في العراق، ليست إلا من باب قول القائل «ما يجبرك على المر إلا الأمر منه»، وعودة إلى التحليل العاطفي الذي أوقع كثيراً من الغاضبين على النظم العربية، في الاعتقاد بأن «الربيع العربي» منقذ ومخلَص. خذوا الحكمة من «الطوارق» يا عقلاء سنة العراق. تمايزوا عن «داعش». أو أنكم ستمنحون العالم ورقة بتصفيتكم. وذريعة أخرى بحصاركم في أقل من ربع مساحة أرضكم. ارض أنتم سادتها ورجالها.